عندما تقف امام بياض الورقة، تتدحرج خوفا وطمعا، طارحاً اسئلة فستقية الشكل، تخفي بداخلها دار عبلة، وأطلال خولة، وصحراء المتنبي!!
لا يهم المعنى، لأنه مطروح على الطريق، كما يقول سلفنا الجاحظ، لكن يهمّنا الخروج، ويكفي من الغنيمة أُذن الجمل!!
يكفي ان تكتب انعكاساً بنوع من الأمانة المصطنعة، عبر البكاء على الاطلال، واستدرار الشفقة، واستجداء الحزن، وادعاء الحرمان، وتقمص حياة الصحراء، والتلبس بالغبن، والتشكي من قسوة التقاليد، يكفي هذا وخير الكلام ما قلّ ودلّ! وحتى لا ننزلق في فضاء سرابي، ومنطقة فارغة، فثمة (ولادة نوعية للراهن والمستقبل من خميرة الماضي وتراثه المتراكم بنوعيته).
ولكن أشعر ان الحقل الثقافي اسرع حقول العرب تدفقاً وانهماراً، وهنا اتذكر جملة الروائي الكبير حيدر حيدر حين قال: (قياساً بالحقول الاخرى في السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية، يبدو الحقل الثقافي الاكثر تقدماً، والاسرع في مضمار التطور، ربما لأننا أمة كلام وفقه وجدال عبر التاريخ).
ويستطرد حيدر حيدر قائلا: (وبقدر ما تبدو هذه الظاهرة ايجابية، الا أن لها جانبها السلبي فالثقافي معزول عن الحقول الاخرى، وتحديداً الاجتماعي والسياسي, يبقى مراوحاً في مكانه، محاصرا داخل دائرة معلقة هي عقل النخبة وفكرها).
نحن (أمة كلام),,, منذ الطوفان، ونحن نقتات من مفردات، لا تتجاوز الحنجرة ويكفي أننا نعمل بالحناجر والأضراس.
(والهرج) في الأرض بعض من تخيُّلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه!! |
متى يفيق المثقفون من سباتهم العميق، ونومهم الطويل، ويكفّون عن ممارسة اسلوبهم المدرسي والوعظي أحياناً ويتوقفون عن النظرة للقارىء بعين واحدة، لا تراه فيها الا انساناً قاصراً، لم يبلغ سن الرشد بعد!!؟
اصمت حتى لا يشبهك أحدٌ,, ولا تشبه أحداً,, من هنا تكون حرارة المغامرة ان تصمت بيدك، وتتكلم بقلبك (وذاك أضعف الايمان),, وعندما اقول تتكلم بقلبك، فأنا أعني احتمال البلاغة والعجز، فما كل ما يلمع ذهباً ولا كل ما يصمت متألماً,,!!
أريد ان أكون شجاعاً على طريقتي، فالنعامة إن صحَّ أنها دسّت رأسها في الرمال، قد تكون شجاعة، والفارّ من الحرب قد يكون شجاعا، لأنهما يملكان اتخاذ القرار، وتقرير الاتخاذ,, وما بينهما!!
ربما يكون التعب رفيقنا في الوقفة الصادقة، ولكن حتى التعب ضاعت معالمه في سماء العناء كما يقول الشاعر احمد مطر في واحدة من لافتاته المتفلتة من عيون الشمس.
فكرت بأن أكتب شعراً
لا يهدر وقت (القراء)!!
ويكون بلا أدنى خوف
في حوزة كل (الغرباء)
هيأت لذلك اقلامي
ووضعت الأوراق أمامي
وحشدت جميع الآراء!!
ثم,, بكل رباطة جأش.
أودعت الصفحة إمضائي
وتركت الصفحة بيضاء!!
أليس الافضل ان نترك الورق نظيفا، ونخفف من نسبة التلوث,,!! فقد بلغ ورق الكتاب الزُّبى والرُّبى والردى!!