Thursday 20th January, 2000 G No. 9975جريدة الجزيرة الخميس 14 ,شوال 1420 العدد 9975



عفواً ,, لا أعرف المجاملة,,!!
د, فهد حمد المغلوث

إذا كان هناك أناس تُفرض عليهم المشاكل الاجتماعية ممن حولهم ويستطيعون ان يتعاملوا معها بطريق أو بآخر، فإن هناك نوعا آخر من البشر مشكلتهم الأساسية أنهم لا يستطيعون ان يجاملوا غيرهم، لا يستطيعون ان يقولوا نعم في الوقت الذي يمكنهم أن يقولوا لا ويرتاحون ويبتعدون عن المشاكل.
والشخص الذي يقع ضمن هذه الفئة هو ممن ينطبق عليه المثل الشعبي (اللي في قلبه على لسانه)، بمعنى أنه لا يستطيع اخفاء شيء بداخله هو غير مقتنع به أو راض عنه شخصيا حتى مع رؤسائه أو من هم أعلى منه مكانة اجتماعية أو علمية أو غيرها,, وحتى لو أخفى هذا الشيء مثلا ولم يتفوه به، فإنه لا يستطيع الاستمرار في اخفائه وبالذات حينما يكون هذا الموضوع غير منطقي.
وكثيراً ما يكون أمثال هذه الفئة هم من الاشخاص طيبي القلب الحريصين على المصلحة العامة والذين يعملون باخلاص وتفان رغم ان الكثير منهم يعمل في الظل وخلف الكواليس!
وهذه الصفة (الصراحة الزائدة) وان كانت جميلة في الكثير من جوانبها، إلا انها تجلب لصاحبها الكثير من المشاكل مع الآخرين والتعب النفسي وتجعله في حالة من عدم الاستقرار النفسي، لانه يرى ان هناك اشخاصا لا يفهمون ولا يقدرون ما يقوم به، وبالتالي قد يشعر ان هناك خطأ ما في الناس، هذا ان لم ينسب هذا الخطأ لنفسه.
والاعتراض (الذي هو أساسه ابداء وجهة النظر) أمر مطلوب ولكن في حدود، وليس لمجرد الاعتراض فحسب، لان هناك اناسا (يموتون في شيء اسمه اعتراض!!) يحضرون لأي مكان ومع أي اشخاص لكي يعترضوا، وكأنه اتى ليوفي بنذرٍ عليه!
فنحن ينبغي ان نفرق بين من يقول لا لمجرد الاعتراض والوقوف في وجه الآخرين او بهدف اتخاذ موقف معين او للانتقام من شيء ما، وبين من يقول لا كوجهة نظر لا لعدم اقتناع، فهذه حرية شخصية لا يحق لي ولا لغيري الاعتراض عليها او مصادرتها بأي حال من الاحوال لأنها تمثل صاحبها، وهو المسؤول عنها خاصة إذا كانت المسألة لا تتعلق مثلا بقضايا شرعية محسوم أمرها ومنتهٍ.
اذكر حكاية طريفة عن فلان دائم الاعتراض على كل شيء ولأي شيء يسمعه, فأنت لا تسمع منه سوى كلمة اعترض حتى وبقية القوم موافقون, وفي إحدى المرات وأثناء الاجتماع الذي كان يحضره مع اعضاء المجلس البلدي، رشح هذا الشخص لرئاسة المجلس، فما كان منه إلا ان وقف وقال أعترض! ولم ينتبه إلى انه ورّط نفسه وخسر منصبا كان يحلم به ويسعى إليه!
ان هناك اشياء كثيرة قد تجامل فيها فتنجح دون ان يؤثر ذلك على سير حياتك او على نفسيتك ولكن هناك امورا أخرى صعب عليك اخفاؤها او اظهارها على غير حقيقتها فقط لان الناس تريدها منك وتطالبك بها.
فبإمكاني ان اخدع الناس ولكني لا يمكن ان اخدع مشاعري وأوهمها بأشياء هي نفسها لا تشعر بها.
بل لا يمكنني ان اتصور ان تظل انت تقمع تلك المشاعر الجميلة بداخلك وتدسها عن انظار الآخرين في حين انك تشعر انك اخطأت في حق نفسك وجردت مشاعرك من ابسط وأجمل شيء يميزها وهو التعبير عن حريتها واطلاق العنان لها لأن تقول ما تريد ببساطة دون تكلف او خوف من رقيب.
والشيء الآخر الذي قد يحرق اعصابك ويتلفها هو احساسك انك مخلص لغيرك تحبه من كل قلبك غيور عليه، ومع ذلك تشعر منه بعكس ذلك! تود ان تعامله بالمثل كي يشعر بفداحة خطئه معك ولكن معدنك الأصيل وتربيتك الصحيحة وحبك الصادق يمنعك حتى من مجرد التفكير في امر كهذا، لأنك سوف تخسر نفسك مع مرور الوقت ودون ان تشعر وقبل ان تصلح الطرف الآخر!
وكثير منا يحب ان يجامله غيره لان هذا من شأنه ان يرفع روحه المعنوية ويزيد ثقته في نفسه اكثر وأكثر ولكن تبقى نقطة اساسية: ما هي حدود تلك المجاملة والأمر الآخر الذي لا يقل اهمية هو هل ما نقوم به مجاملة فعلا أم انه قد يصل إلى مرحلة النفاق والعياذ بالله؟!
ان المجاملة شيء جميل جدا ومطلوب في واقع الامر لانه جزء من الذوق الذي ينبغي ان نتحلى به في حياتنا ومع غيرنا ولكن ما نشاهده في حياتنا العملية هو شيء آخر لا يعبر عن المجاملة من قريب او بعيد شيء آخر معروف قصده, وأظنكم فهمتم ما أعني، وربما لمستم هذا المعنى بأنفسكم وأحسستم بمشاعركم التي لا تكذب لانه واضح ومكشوف.
ونحن لا ننكر ايضا ان هناك اناسا لا يعرفون المجاملة ولو حتى البسيطة منها وهذا لا يعني ان امثال هؤلاء ينقصهم الذوق، ابدا ولكن الناس تختلف في ابداء مشاعرها ولم تتعود سوى ان تقول ما تشعر به بغض النظر عما يحدثه ذلك الرأي السلبي والقاسي على نفسية من يسمعه او يعنيه!
والذوق يا اخوان ويا أخوات موهبة تغرس مع الانسان وتنمى بالتربية والتنشئة الاسرية الصحيحة.
فالمجاملة ان تستمع الي دون ان اجبرك على ذلك ان تقدر قيمة عملي لك مهما كان بسيطا، ان تكافئني عليه ولو بابتسامة حلوة، او طبطبة حانية او عبارة شكر بل حتى السكوت عن الاخطاء البسيطة او تمريرها بقصد هو نوع من المجاملة ايضا.
وطبعا كل انسان منا بشكل او بآخر يجامل غيره بهدف او بدون هدف ولكن انت نفسك ما نسبة المجاملة في حياتك؟ هل تؤثر عليك سلبيا هل تخلق لك مشاكل؟ والاهم من كل ذلك، هل معظم الناس الذين تجاملهم يقدرون هذه المجاملة ويستحقونها ولو كانوا غير ذلك؟ فهل تكرر مجاملتك لهم وان كانت اجابتك بنعم، فإلى متى؟ إلى متى نظل نعطي مشاعرنا لمن لا يستحقها؟ إلى متى نظل نجعل غيرنا يستمتع بمشاعرنا الصادقة وغيره أحق بها منه؟
فإليك ايها الإنسان الذي يحمل كل المشاعر الجميلة بداخلك، إليك ايها الهدى الذي أنرت طريقي للحب والخير بعد الله اليك يا من يحلو لي أي أناديه بالدلال لانه جزء من الجمال الحقيق وليس الخيال، إليك يا من أنت حلم كل انسان يبحث عن الصفاء والوفاء، إليك يا من انت (حديقة غناء) فيحاء قلب كل محب ونور درب كل من يبحث عن ابواب الخير.
إليك أيها الغالي على قلب محبك،, ويا من ترمز إلى العزة والمكانة الخاصة والمشاعر الجميلة.
إليك ايها الانسان الذي تحمل كل ذلك واكثر، إليك مني الكلمات الصادقة التي تعبر عن حقيقة من أنت.
فمثلك لا يحتاج لمجاملة، لان ما يقال فيك من كلمات حلوة ووصف جميل ما هو إلا واقع ملموس لا ينكره أحد, ما هو إلا ورود جميل رائعة الجمال وسط حديقة فيحاء تحمل في قلبها كل الحب الصادق, فيحاء رغم جمالها وعطائها وصدقها وصراحتها تسأل هل ما تراه أمامها وتسمعه بأذنها وتحسه بخلجاتها، هل هو الصدق نفسه من يقول لها: نعم انت لست وحدك أيتها الفيحاء أيتها الحديقة الغناء فهل عرفت من أنت؟
نسأل ذلك، ليس تشكيكا في مصدر الصدق، ولكن لترى بنفسها، هل هناك من هو مثلها؟ من يشعر بمشاعرها؟ من يحس بوجودها؟ من يسمع آهاتها, ومن هو ذلك الانسان الذي استطاع ان يتحدث باسمها وكأنه مفوض منها؟ ومن هو هذا الانسان الذي يحق له ان يقطف من زهورها برضاها؟
فيا أيها الانسان الذي تعرف مكانتك في قلب من يعتبرني اكبر واجمل كيان هل تعرف لماذا انت لست في حاجة للمجاملة؟ لأني لا أريد ان اضرك بل اريدك ان تكون احسن الناس وهذا لا يكون بالمجاملة بل اكون مرآتك الصادقة التي ترى في كل مساوئك وعيوبك وان كنت اراها محاسن, انها عين الرضاولاشك, ولكن هل عرفت الآن، لماذا لا أعرف المجاملة؟!
** همسة **
انظر بنفسك,.
ماذا أتعبني واشقاني!
سوى طيبة قلبي الزائدة!
سوى صراحتي المكشوفة!
سوى تسامحي مع الغير!
سوى سكوتي عن أبسط حقوقي؟!
***
وانظر إليّ,.
ماذا احزنني وابكاني,.
سوى مشاعري الصادقة!
التي اضحت عيبا لدى الآخرين!
أحاول ان اداريها!
كيلا أكون شاذاً,.
وسط الاسوياء!
وكيلا أخسر الناس,.
وأنا بحاجة إليهم,.
***
فما افادتني مجاملتي لغيري,.
سوى استفادة غيري مني
أما أنا,, فكما أنا,,!
لم أبارح مكاني!
لم اشعر بمن يهتم بي!
بمن حتى يلتفت لي
أو حتى يجاملني,.
***
بل ماذا جنيت من الناس؟
سوى الاستغلال!
سوى التجاهل والنسيان!
سوى الصدود والهجران!
وليت هذا فحسب.
بل ليتهم يتركوك وشأنك!
***
ومع ذلك,.
سأقبل هذا التعب!
سأرضى بهذا الحزن.
علّه يأتي يوما ما,.
إنسان مثلك,.
يعرف قيمة هذا الحب الكبير.
فيحافظ عليه!
انسان مثلك,.
يقدّر تلك الشاعر الصادقة,.
ويصونها كما لو كانت له!
***
نعم,, ساقبل بكل ذلك!
سأتحمله!
رغم قساوته على قلبي!
رغم مرارة الحديث عنه!
علّه يأتي يوما ما,.
من يشعرني بحق,.
ان الخير لا يؤسف عليه,.
طالما هو خالص لوجه الله,.
ومن يحسسني بصدق
ان ما أقوم به,.
هو الصواب,.
عين الصواب,.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.