عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأطفال فلذات الأكباد وزينة الحياة الدنيا هؤلاء الصغار لا يدركون بعد ما ينفعهم وما يضرهم قد هُضم حقهم وتركت تربيتهم وأهملت واجباتهم ووكل امرهم الى من يربيهم بدل الصدر الحنون أمهم فأصبحوا أبناء المربيات والخادمات يوجهنهم ويربينهم على ما يحلو لهن وبالطريقة الخاصة بهن.
إن تلك الحقائق التي بدأت بها مقالتي أقصد مأساتي ليست وليدة الساعة بل انطلقت وأعلنت بإعلان خروج الام الى ميادين العمل وانخراطها مع بنات جنسها في عدة مهن فأضطرت الاسرة مرغمة على استقدام هذه العاملة وبالتدريج أهدي اليها كل مافي المنزل بما فيهم الاطفال الأبرياء والذين لا حول لهم ولا طول.
عزيزتي,, إن ما جعلني اسطر كلماتي هو التحقيق الذي نشرته الجزيرة واخذت فيه عددا من آراء أولياء الأمور حول وجود الخادمة فمنهم المضطر ومنهم المؤيد ومنهم الرافض بتاتاً، ولكن الغالب على مجتمعنا وجود تلك العاملة بحاجة وبدون حاجة وكأنها فرض عين لا يمكن ان يسقط.
لقد قرأت عنوان المقالة وهو أطفال يعيشون نصف يومهم في كنف الخادمات ,, فكأني بهذا العنوان لايظهر حجم المعاناة التي يعانيها أولئك الصغار، ولو ان المقالة عنونت ب: يوم كامل يقضيه الاطفال في كنف الخادمات لكان انصف لأن بعض النساء وخاصة ذوات الدرجات العليا يقضين اكثر من نصف اليوم خارج منازلهن خصوصا الاستاذات الجامعيات والموظفات وغيرهن فهن أحيانا يقضين بالكليات وقتاً طويلا منذ الصباح الباكر وحتى العصر أحياناً او قد يتعداها إذا كان هناك ضرورة كالامتحانات وغيرها.
وسواء كانت الأم معلمة او طبيبة او دكتورة بالجامعة فإن المتضرر الأول من هذا العمل هو الطفل لعدة اسباب اهمها:
أولاً: ان الأم والتي هي الحصن الحصين والحضن الدافىء لهذا الطفل تخرج باكراً مودعة هذه الفلذة بيد المربية وتعود بعد اداء عملها وقد انهك التعب قواها لأنها قد بذلت مجهودا كبيرا في عملها وتحتاج الى سويعات من الراحة فلا يراها هذا الطفل الصغير ومن ثم قد تستأنف المسير عصراً الى زيارة قريبة او مريضة او جارة، وبعضهن ولا أبالغ في ما اقول تستأنف المسير ليلاً خصوصا اذا كان هناك مناسبة وما اكثر مناسبات اولئك النساء وذلك بخصوص مراكزهن في المجتمع.
ثانياً: ان ترك الاطفال عند تلك المربية مشكلة خطيرة جدا لاسيما ونحن نعرف ان الطفل في تلك المرحلة يحب التقليد والمحاكاة فلا غرو ان يقلد من يراه سواء بكلامه او فعله وهو لا يرى امامه سوى تلك المربية فيقلدها في حركاتها وسكناتها وحديثها فينشأ هذا الطفل يتحدث بلغة غريبة او عربية مكسرة كما يتربى على عادات وتقاليد واعراف ليست بعاداتنا ولا تقاليدنا في الوقت الذي نجد الأم في وقت فراغها تسعى جاهدة لتعليمه اللغة العربية وزرعها في نفسه ولكن بعد ماذا؟ بعد ان تربى على لغة اقرب ما تكون لنفسه من لغته فالام تبني والمربية تهدم فمتى يبلغ البنيان إذن؟.
فصدقت أيها الشاعر حين قلت:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
ثالثا: هؤلاء الاطفال هم كبش الفداء فالعاملة قد تعامل في المنزل معاملة سيئة من قبل الام فبعد خروج الأم وانفراد العاملة بهؤلاء الاطفال فإنها تفرغ شحنات غيظها المكتوم داخلها في هؤلاء الصغار، فقد ترهبهم وقد تضر بهم وقد تقسو عليهم وقد تتناساهم وتتجاهلهم وتعتذر بأعمال المنزل، وكم من المآسي والتي سمعناه تدمي القلب كان سببها تلك العاملات حين ينتقمن من ربات البيوت عن طريق الاطفال الصغار.
رابعا: الطفل مظلوم حيث يفقد حنان الامومة منذ الصغر فما أن تنتهي اجازة الام حتى تسلم هذه العهدة الى الخادمة لتتولى بقية المهمة فيتربى في حضنها ويشعر بهذا الحنان الوهمي وقد يتعلق بها اكثر من تعلقه بأمه فيضيع تعب هذه الأم هباء منثوراً وكأنها لم تتعب تسعة اشهر في حمله ولم تقاسي عند ولادته، ونتساءل دائما لماذا يكثر العقوق في هذا الزمن بالذات وقد نسينا او تناسينا ان الحنان مفقود؟ (فكيف نريد الطفل بعد ان يكبر يعطي احدا ذلك الحنان والحب الذي هو بحاجة له) ففاقد الشيء لا يعطيه).
هو منذ صغره لم يشعر بهذا الحنان فكيف يعطيه لمن حوله؟.
وهو منذ صغره لم يجد احدا يستند عليه فكيف يُستند عليه فيما بعد؟.
إذن لا نلومه ولا نحمله ما لا طاقة له في كبره: فعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم,.
وبعد,.
هذه النقاط قليل من كثير وغيض من فيض ونقطة في بحر,, وما اكثر النقاش حول هذا الموضوع, فالاقلام احرى بها ان تجف وتلزم الصمت لأنها ملت مناقشة هذا الموضوع,, والسؤال الذي يطرح نفسه هل سيكون لهذا الموضوع نهاية؟,, وهل ستعود المياه الى مجاريها وتنقشع تلك السحابة السوداء؟.
نتمنى جميعا ان نرى ذلك اليوم,, وذلك بايجاد البديل لذلك امثال الحضانات الخاصة بالمدارس ليتسنى لهذا الطفل رؤية امه في كل وقت ويعود الحنان اليه ويشعر بدفء الامومة ورعايتها ويسعد بذلك مجددا ونحتفي معاً بخروج هذا الداء من منازلنا عاجلا غير آجل مستبدلين بها تلك الأم الرؤوم,, تلك المدرسة العظيمة مؤكدين قول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراق الأم استاذ الاساتذة الألى شغلت مآثرهم لدى الآفاق |
وللجزيرة والقراء التحية.
طيف أحمد
الوشم ثرمداء