فكّرت كثيراً في عمل إحصاء ومقارنة لكل الأسئلة التي ترد في صفحات أو مجلات أو برامج يكون السائل فيها الإنسان العادي، ويكون المسؤول فيها المتخصص أو الدارس أو المجتهد في الفقه والعقيدة والسنة,, ذلك لما لاحظته من اعتيادية الموضوعات محور الأسئلة التي تدخل في الأسس أو البدهيات التي لابد أن يكون أي مسلم ملمًّا بها وتدخل ضمن معلوماته الأساس والتي أتوقع أنه غير معفي من معرفتها,,، وكنت أتوقع أن يبحث الأفاضل من المسؤولين قبل أن يدلوا بإجاباتهم عن أسباب عدم معرفة السائلين عن أوليات المعرفة بأحكام دينهم فقهاً وعقيدة؛ إذ هل يعقل أن لا يعرف المسلم مغبة عقوق الوالدين؟، أو لا يعرف الرجل ما هي حقوقه أو واجباته نحو زوجه؟ أو لا تعرف المرأة متى تطهر من الحيض أو متى يقع طلاقها إن كانت حاملاً؟، أو يجهل أحد أن العين حق وأن المسلم سمحُ النَّفس لا يرفض سنة استنّها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي قول (ما شاء الله تبارك الله لا قوة إلا بالله)حين الإعجاب بشيء، وأنه لا يرفض الوضوء إذا شعر بأن صاحبه بحاجة إليه فيما لو لحقه شيء من غبطته أسوة بما فعل الصحابة؟ أو يجهل المسلم الفرق بين زكاة الفطر وزكاة المال، أو بين الإحسان والواجب، أو بين الإحسان والفرض؟ أو لا يعرف أهمية صلاة الجمعة وما يستعد لها من الغسل والتطيّب والسعي المبكر إليها وما في ذلك من الثواب أو عليه العقاب؟ أو تجهل المرأة ما لزوجها من الواجبات وما لوالديها؟ وما الفرق بين طاعة النَّفس ومجاراة النَّاس وبين طاعة الله؟ أو أي الأمور أحق بالاهتمام, إسدال الثوب أو أداء الصلاة في وقتها؟ أو ما الفرق بين السحور مبكراً أو متأخراً؟ أو شرب الماء أثناء أو قبل أو بعد الأذان؟ أو من يشفع يوم القيامة مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أو هو وحده؟ أو هل مال المرأة لها أو لزوجها؟ أو ما حكم امتناع الرجل عن النفقة على زوجه إذا كان لها دخل خاص بها؟ هل يعقل أن تُحبَّر الصفحات ويضيع وقت السائل والمسؤول في الإجابات عن الأسئلة التي يُفترض أن لا تصدر عن مسلم يجب أن يعرف الإجابة كجزء من ثقافته الدينية؟
ثم ألم يحدث أن طُرح السؤال: لماذا يكون المسلم جاهلاً في أمور دينه؟ وإذا كان جاهلاً فهذا يعني أنه يسلك خطأ في حياته، ويمارس الحياة في منأى عما يجب، وعما لابد أن يكون عليه بوصفه مسلماً له قواعده وأسسه ومنطلقاته ومرتكزاته الدينية التي هي اعتقاد وسلوك ونتائج.
ولعل السبب الأساس يعود إلى أن البيوت المسلمة خلت من الموجِّه الفاهم الدَّارس المجتهد والقائم بدور المعلِّم والقدوة، وخلت الحارات من الجلسات الدينية التوجيهية، فلقد كان أوائل المسلمين عندما يشب أبناؤهم يتحلَّقون حولهم يعلّمونهم أمور دينهم، بدءاً بقراءة القرآن وحفظه، وانتهاء إلى معرفة قواعده الفقهية، وأصوله العقدية،,, من كان منهم ذكراً أو كان منهم أنثى,, يتعهدونهم منذ الصغر، يتابعونهم، يوجهونهم، يقودونهم إلى الصلاة، يوقظونهم للصلاة، يقسون عليهم عند التقصير، ويكافئونهم عند الإحسان، ولا يرضون أن تكون بيوتهم مقابر لا يُقرأ فيها القرآن، أو يدور فيها الذكر، أو يُتَخَلَّق فيها الخلق الحسن، تنزل عليهم السكينة، وتطمئن قلوبهم، فيحبون بعضهم، وتنتشر الفضيلة بينهم حتى تعمَّ الجيران وأبناءهم,, لذلك كانت البيوت مدارس المسلمين الأولى بمثل ما كانت المساجد,, أما الآن فالآباء في منأى لأنهم أنفسهم يحتاجون إلى ثقافة دينية واعية وشاملة لا يملكونها وبالتالي لا يملكون أن يقدموها لأبنائهم فأصبحت بيوت المسلمين مقابر للثقافة الإسلامية؛ من هنا نشأ مفهوم علماء الدين ووسم به كل من اختصَّ في علوم الدين بتفريعاتها، أو من تبحَّر في هذه العلوم اجتهاداً,,، واعتلى منبر المناصحة، والمنافحة عن الدين,,، وعلى الرغم من أن لكل مجال مراجعه من الثقات فيه إلا أن وجود هؤلاء الثقات لا يعفي المسلمين والمسلمات من الإلمام بأمورهم الفقهية المتعلقة بحياتهم اليومية وسلوكهم الدقيق، ولايعفيهم من الخجل أن يوجهوا سؤالا نحو أي موضوع يدخل ضمن المعلومات الأولية في أمور دينهم وعقيدتهم ولا يعفيهم من أن يكونوا رجالاً ونساء متدينين يوسمون بهذه الصفة.
فما رأي المسلمين في أن يعودوا إلى حلقات الدرس، ويتفقهوا في دينهم، ويعيدوا لبيوتهم نورها، ولحياتهم سكينتها واطمئنانها ,,,؟
وما رأي التربويين في أن يضعوا مناهج للفقه تتناسب وهذا الغرض,,, تشمل المعلومات الضرورة التي تدور في محاور حياة الإنسان اليومية في معاملاته وسلوكه وفروضه وواجباته وأحكام كل ما يمكن ان يواجهه كي ينشأ ناشىء المسلمين منَّا على ما عوَّده أبوه وعلَّمه مربوه؟
د, خيرية إبراهيم السقاف