في زمن إنشاء المملكة كانت القرية هي المدينة، وكانت انموذجا للتحضر، بحيث طمع البدو في سكنى القرى، والتحول من البداوة الى الحضارة، فأنشؤوا الهجر التي تحولت فيما بعد الى مدن، مثل الأرطاوية، او الى قرى مثل الغطغط، وفي زمن نشأة الخدمات في المملكة العربية السعودية في عهد الملك سعود اعطيت القرية نصيبا وافرا من تلك الخدمات ففتحت فيها المدرسة الابتدائية والمستوصف، وتلك نقلة حضارية للقرية السعودية، قد اقول ان بعض القرى وقف عندها الى الآن,, وفي عهد الملك فيصل فتحت مدرسة البنات الابتدائية في بعض القرى، وفي زمن وفرة المال، وزيادة اسعار النفط، فتحت بعض الشوارع في قرى لم تستفد منها بل حولتها الى خرائب لأن اصحاب البيوت اخذوا الاموال واستثمروها في المدن، وتركوا قراهم، وبعد إنشاء وزارة الشؤون البلدية والقروية كنا ننتظر منها قرية في حجم مدينة صغيرة ولكن ذلك لم يحصل، ولم تستفد القرية من اسم الوزارة فائدة كبيرة، فالمجمع القروي في القرية الكبيرة تنتابه العلل من كل جانب، والقرية المربوطة ببلدية مدينة تؤخذ مخصصاتها للمدينة وينطبق عليها القول (رجلي بالما والظما حرق الجوف).
لقد كتبت في العام الماضي عن قرى الصمان: جرَّارة (الرفيعة) واخواتها، فلم يلتفت الى الكتابة، ولم يلتفت الى تلك القرى واليوم اسوق مثالا يمثل نسيان القرية السعودية وذلك يتوافر في بلدة يبرين، التي تحمل احقاب التاريخ على كاهلها، والتي قيل فيها من الشعر ما يكون دواوين، ومن ذلك قول أبي زياد الكلابي:
أرك إلى كثبان يبرين صبة وهذا لعمري لو قنعت كثيب |
وقول جرير:
فقلت للركب إذ جد الرحيل بنا يا بعد يبرين من باب الفراديس |
وهذه البلدة خرج إليها الأحنف بن قيس من البصرة يطلب العون على ديات الازد وربيعة، فوجد من سكانها العون والمساعدة ورجع منها راضيا يقود الابل الكثيرة، وتنسب الى هذه البلدة رمال الجزء بكاملها (الربع الخالي) فيقال رملة يبرين او رمال يبرين، هذه البلدة التاريخية واحدة من القرى السعودية المنسية التي تمثل سوء التنظيم، وقصور الخدمات، على الرغم من وجود مجمع قروي في البلدة, إننا اليوم ننعم بوفرة المال ولله الحمد وولي الامر وَكَّلَ الى المسؤولين خدمة المدن والقرى فخدموا المدن ونسوا القرى او تناسوها، إن المسؤولية تنحصر في المسؤولين الذين يباشرون خدمة القرى ويقفون على خدماتها، فأين هم من ذلك؟
لقد زرت قرية ذي صلب في تهامة باللسمر قبل زيادة اسعار النفط وحز في نفسي ان تكون تلك القرى على ذلك الوضع، فالماء قليل ومزارع الذرة يابسة، والقرود تقطف سنابل الذرة في غيبة من سكان القرية، الذين هجروها لقلة الماء، كان ذلك قديما عندما كانت الموارد محدودة، فما عذرنا اليوم في خدمة القرى,, لقد انشئت مجالس الإمارات منذ سنوات، وكان الهدف من تلك المجالس وجود رجال قد وقفوا على حاجة اقاليمهم ليطرحوا ما تحتاج اليه تلك الاقاليم من خدمات، او ينقلها الى ولي الامر إذا كانت فوق طاقة الوزير، وولاة الامر حفظهم الله يؤكدون في كل مناسبة خدمة المواطن، ومن تلك المناسبات اجتماع امراء المناطق الذي عقد في مكة في آخررمضان، وقد استقبل خادم الحرمين الشريفين، الأمراء وحثهم على خدمة المواطن، واذا علمنا ان القرى في المملكة العربية السعودية تمثل جزءا كبيرا من مظهر البلاد تبين لنا أثر الاهتمام بها على المستوى العام.
إذا كنا نرغب في اللحاق بالدول المتقدمة فعلينا ألا نسارع فقط الى اسواق العقارية لنرى آخر موضة للمرأة الاوروبية، والامريكية لنقلدها في ذلك، ونلبس ما تلبس، او نفتح قناة فضائية، كما عملت بعض الدول الخليجية، بل علينا أن نذهب الى سويسرا، ونمشي في القرية السويسرية ونسأل المسؤولين هناك: كيف وصلت القرية عندهم الى هذا المستوى ثم نطور قريتنا على هيئة تطوير قريتهم.
اننا نسمع بالانتدابات الكثيرة، التي تهدف في الغالب الى زيادة دخل الموظف، ولكننا لم نسمع ان وزارة الشؤون البلدية والقروية انتدبت وفدا للوقوف على تطور القرية الأوروبية، والاستفادة من ذلك في تطوير القرية السعودية.
عندما تصبح القرية السعودية مثل القرية السويسرية ستزول مشاكل المعلمات، ونقلها، وتعيينها، وكذلك مشاكل عدم الاقبال على العمل في القرية، متى يكون ذلك؟!