Wednesday 19th January, 2000 G No. 9974جريدة الجزيرة الاربعاء 13 ,شوال 1420 العدد 9974



منعطفات
أنت مكتئب حتى يثبت العكس!
د, فهد سعود اليحيا

في يوم واحد تلقيت رسالتين من قارئة أشارت إلى نفسها باسم (هند) تقول في الأولى:
(أبلغ من العمر 27 سنة عانيت من الاكتئاب لفترة طويلة، وبعد مراجعتي للدكتورة (,,,) للعلاج نصحتني بأن أتناول البروزاك لكي يساعدني على سرعة الشفاء مع العلاج النفسي, وأنا أرى حالتي في تحسن جيد,, وحيث أنني أمضيت على تناول البروزاك ثلاثة أشهر هل أستطيع وقفه الآن أم استمر لفترة أخرى؟)
وتقرّظني في الثانية فتقول:
(تتميز حفظك الله بأسلوب فني رائع وقدرة على توصيل المعلومات بشكل مباشر, وأتمنى منكم حفظكم الله التطرق في مقالاتكم إلى مواضيع تتكلم عن هذا المجال وخاصة مرض الاكتئاب والوساوس القهرية وكيفية التخلص منها بطريقة العلاج النفسي العقلاني والسلوكي, كما أتمنى منك أن تذكر لنا عدداً من المراجع العربية المناسبة التي توضح لنا الطرق الصحيحة للتشخيص والعلاج).
وأشكر لها ثقتها وإطراءها إياي وأرجو أن أكون دائماً عند حسن الظن, وأعدها بأن أعمل على تنفيذ اقتراحيهابقدر الإمكان، بل ها أنا أجعل من إجابتي لسؤالها مدخلاً لمقالتي عن أشهر اضطرابات العصر: الاكتئاب بلا منازع!
يكاد يكون الاكتئاب أوسع الاضطرابات النفسية انتشاراً على الإطلاق، وإحدى الدراسات تقول أن امرأة من بين أربع نساء، ورجل من بين ستة رجال، في أمريكا، يعاني من الاكتئاب! وبعض الأطباء النفسانيين يقول: (كل من يطلب استشارتي، هو مكتئب حتى يثبت العكس)! ويقود البروفيسور (بريست) في بريطانيا منذ سنوات (حملة على الاكتئاب) بهذا العنوان, وليس انتشار الاكتئاب هو مشكلة الاكتئاب الوحيدة، بل مشكلته أن له ألف وجه, بمعنى أن الصورة القياسية له لا تتجاوز 40% من حالات الاكتئاب، أما الحالات الأخرى فتأتي بصور مختلفة, لعل معظم القراء لم يسمع بالاكتئاب الباسم )Smiling depression( وهذا التشخيص الوصفي، يحمل تناقضاً لفظيا، ولكنه حقيقة واقعة، فهناك من يضحك ويقهقه ولكن الاكتئاب يقبع في أعماقه ويلون أيامه.
ومشكلة الاكتئاب الأخرى وتشاركه فيها معظم الاضطرابات النفسية والأمراض الجسدية هو أن الإنتاج الاقتصادي للمكتئب أقل من غيره، ويكاد يكون معدوماً أحياناً, وهذه مشكلة عويصة في الغرب حيث إذا كان في جيبك قرش فأنت تساوي قرشاً، وحيث أنت محترم بقدر ما أنت منتج, وفي دراسة موسعة لمنظمة الصحة العالمية تتبعت المصابين بالاكتئاب بدون علاج لمدة سنتين فوجدت أن 40% يشفون دون تدخل علاجي، و40% آخرون يستمر الاكتئاب معهم أو يتفاقم، و20% يتحول الاكتئاب لديهم الى (عُسر المزاج) )Dysthymia( وهو الاكتئاب البسيط (المعتدل/ الخفيف) المزمن, وتمضي الدراسة لتقول أي أن 60% منهم يستمرون غير منتجين وبالتالي لا يستطيعون إعالة أنفسهم أو عائلاتهم.
وبعد آخر يضفي مشكلةً أخرى، هو أن الاكتئاب في أحوال كثيرة يجيء مُقنّعاً بأعراض جسدية دون أن يكون لها أسباب عضوية، وبالتالي يدور المريض على المراكز الطبية، ويلف على المستشفيات، فيدفع من جيبه في القطاع الخاص، ويستهلك الموارد في القطاع العام في الكشف، والتحليل، والفحص، والأشعة, وفي عالمنا العربي السعيد يُعطى المُراجع العديد من الأدوية لهذه الأعراض، دون فائدة بالتأكيد، ذلك أن كثيرين من أطباء العالم الثالث لا ينتبهون للبعد النفسي في حالة من يراجعهم, وأذكر هنا سيدةً حولها إليّ الدكتور الفاضل جاسر الحربش (وهو قمة في العلم والخُلق) إذ أمضت عشر سنوات تشد الرحال من مدينة إلى أخرى, وواسطة لفتح ملف في هذا المستشفى هنا وهناك, ودوران على مراكز القطاع الخاص، ومناظير، وأشعة، وتحاليل، وأدوية دون شفاء, وعندما كشف الدكتور جاسر عليها، وراجع أعراضها وتاريخ علتها الباطنية، قال لها بكل بساطة ان تراجع الطبيب النفسي, ودُهشت المرأة، إذ لم يطلب منها أي تحليل، أوفحص, وقال لها أنه لا داعي لهذا، وإذا كانت لديها أموال فائضة فلتنفقها في وجه آخر، ولكنه لن يطلب منها اشعةً أو منظاراً, ولختام القصة أقول أن ما كانت تشكو منه هذه السيدة كان اكتئاباً يقف وراء شكواها من بطنها، وأنها ولله الحمد من قبل ومن بعد تخلصت من آلامها إلى غيررجعة بإذن الله.
وللأسف دائماً ما توضع الاضطرابات النفسية في أسفل سلم الأولويات الصحية في كل بلاد العالم, اما في العالم الثالث فتوضع تحت أسفل السلم بعدة درجات!! ولا ينتبه المسؤولون فيه إلى أن 20% على الأقل من مستخدمي الخدمات الصحية الأخرى، هم في الواقع يعانون من اضطرابات نفسية، ولهذا السبب يترددون على المراكز الطبية للشكوى من البطن أو الظهر أو القلب,, إلخ!
وفي الختام أقول للجميع، ومجيباً الأخت هند ، أن أنجع العلاج للاضطرابات النفسية هو مزج العلاج النفسي بالعلاج الدوائي, وخير ما نصحته بها معالجتها بإضافة العلاج الدوائي عندما وجدت أن حالتها تستدعي هذا, وألفت نظرها والقراء الكرام إلى وجوب استمرارها في أخذ البروزاك لمدة تسعة أشهر على الأقل بعد التحسن وهو ما يعرف بالعلاج التعزيزي لتعزيز تحسنها وللوقاية من الانتكاس بإذن الله, ولكن جرعة العلاج التعزيزي/ الوقائي عادةً ما تكون أدنى جرعة علاجية وفي حالة البروزاك هي قرص واحد (20ملجم) مرةً واحدةً في اليوم, مع دعواتي بوافر الصحة والسعادة.
fahads * suhuf. net.sa

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.