سألتني شابة رائعة عادت للتو من دراستها المتخصصة: أحس الفرق شاسعا,, لماذا النساء معظمهن ماديات ,,, ؟
في البدء لم أفهم سؤالها مباشرة,, هل النساء فقط يفكرن بطريقة مادية؟
وضحت لي ما تقصد: انظري حولك,, وأصغي بتعمق الى حواراتهن, إنهن يعظمن المظاهر والماديات ويتغاضين عن الأهم، محتوى الفكر وقدرة الفعل الجاد, قلة فقط تلك التي تنظر الى الاهم في فردية المرأة أو تلك الجوهريات الدائمة النابعة من ذاتها هي وليست مستقاة من علاقة برجل ما أو مشتراة من المتاجر.
معظم النساء يحكمن على بعضهن بما يلبسن,, تكلفة الفستان وماركة الحذاء والشنطة وما يرتدين من مجوهرات وما يستخدمن من مستحضرات,, من هو زوج فلانة او ابوها وما هو منصبه وتخمين قيمته المالية المقدرة, أليس كل هذا تقييما ماديا بحتا؟ حتى ابتساماتهن تبدو اوسع واعرض لمن بينهن تبدو اغنى من غيرها,, أو تلك التي تحمل اسم عائلة ثرية حتى لو اشتهرت بغبائها,, او تزوجت رجلا يضفي عليها من فائضه المادي قيمة لا تملكها بدون هذا القشر!
انهن لا يقيمن فكر المرأة الاخرى ولا حكمتها ولا انجازها الا كجانب هامشي,, الاهمية الأولى هي للمظهر المفتعل ودلالته على الرخاء او الثراء, اما الرجال فيحكمون على مخبر الرجل منفصلا عن مظهره او ميراثه, ألا يجب ان يقيّم المجتمع المرأة بنفس النظر,, لتميّزها وليس لمظاهر ثراء أبيها وزوجها؟
قلت: وهل اكتشفت هذا فجأة بعد عودتك من الخارج؟
النساء هكذا حين لا يكن متعلمات حقا بغض النظر عن الشهادة الورقية التي يحملنها, بعض الشهادات ليست الا ورقا يسجل وهم ثقافة لم تصل الى الاذهان فعلا, ولا يقدر الفكر الا من يدرك قيمته الاثمن, والمظهر النظيف هو المطلوب وليس المظهر المستعرض الصارخ ان انظروا الى تكلفتي لتعرفوا قيمتي.
اما تقدير المظاهر فقط فهو يواكب ضحالة الفكر,, وهذا موجود في الجنسين وموجود في كل المجتمعات,, رغم ان ديننا يحذرنا منه.
ولكن الرجل مطالب من المجتمع بشحذ قواه الذهنية والعلمية والمهنية لكي يحقق ذاته, الرجال فيما بينهم لا يحترمون وارث الثراء بقدر ما يحترمون من يضيف بجهوده ومقدرته الى الصرح الذي اسسه أبوه وجده, اما المرأة فقد اختزلت احلامها في الزواج من ثري يسعدها,, حتى لوكان بعمر أبيها او حتى جدها, إننا كمجتمع بشري حين جعلنا المرأة معتمدة على وجود الرجل لم نمنحها فرصة لاثبات الذات الا بتلك التبعية المادية تستمدها من قيمة الرجل في حياتها,, أبيها أو زوجها أو ابنها,, وما دام يسبغ عليها من الماديات فهي موجودة ومعترف بها من الاخريات, ومن لا تقتنع بذلك قد تدفع الثمن غاليا,, تعبّد طريق النجاح لشاب فقير وتكافح معه ليهجرها حين يصبح غنيا يوثر المظهر على المخبر,, ووجودها في حياة الرجل يظل مرهونا برضاه عليها ورضا المرأة الاخرى في حياته,, زوجة ابيها او اخيها,, أو أم زوجها وأخته ,, أو زوجة ابنها وحماته وقد تتحلل أي من تلك العلاقات التي يفترض ان تكون حميمة ونزيهة وسامية الى علاقة ابتزاز وانانية وعقوق.
ياعزيزتي,, ندرة من الرجال يحترمون تميّز المرأة في حد ذاتها كما يحترمون تميّز الرجل, ولكن تغيير ذلك مسؤولية المرأة وليس واجب الرجل فقط.
اننا ندخل الالفية الثالثة والشعار الذي يرفعه ولي الامر الاعلى هو اعطاء المرأة حقها في المشاركة واستحقاق الاحترام لقدرتها, ويظل الواقع قابلا للتطويع والتطوير, وربما حين يفهمن محتوى هذا التوجه يتطور تفكيرهن,, تغيّر المرأة نظرتها الى المرأة والى نفسها، خارج اطار التبعية المادية والاعتماد السلبي، فتصبح انسانة تحقق قدرتها، لا شيئا يستمد بريقه من فائض الآخرين.
د, ثريا العريّض