تعتبر المرحلة الزمنية الحالية أحد أهم مراحل التنمية للاقتصاد السعودي لكونها تأتي بعد انكشاف الواقع وزوال الطفرة الاقتصادية ولكونها تمثل مرحلة اعادة البناء لقطاعات ومكونات الاقتصاد السعودي, ولعل أهم ما يميز هذه المرحلة كونها تأتي في وقت نعاني فيه من تدني مساهمة عناصر الانتاج الوطنية مما جعل الاقتصاد السعودي مكشوفاً وبدرجة كبيرة للمتغيرات الدولية والذي بدوره يضعف السيطرة على المتغيرات المحلية ويعرض النسق التنموي للخطر المستمر, وبالتالي فإن التحركات التنظيمية التي يشهدها الاقتصاد السعودي في الوقت الحاضر سوف تحدد مدى قدرتنا على اعادة صياغة سياساتنا واستراتيجياتنا وأولوياتنا الاقتصادية وبالشكل الذي يتناسب مع امكاناتنا المحدودة ويتوافق مع المتغيرات الاقتصادية الاقليمية والدولية, وعليه فإن من المأمول ان تشهد مرحلة اعادة البناء تعديلات جذرية وفي شتى المجالات حتى نستطيع تحقيق الفاعلية والكفاءة الاقتصادية المنشودة خاصة بعد زوال الطفرة وارتفاع تكلفة تصحيح الخطأ,, ويأتي في مقدمة الاجراءات الهامة التي يجب ان يشهدها الاقتصاد السعودي اعادة النظر في اختصاصات بعض الوزارات القائمة وبالشكل الذي يضمن توافق التخصص والاختصاص ويحد من تشتت المسؤولية وتنازع الاختصاصات ويساهم في تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة, ولعل من أهم التعديلات الهيكلية التي سوف تساهم في زيادة فاعلية مرحلة اعادة البناء الاقتصادي الآتي:
أولاً: انشاء وزارة للقوى العاملة وأخرى للشؤون الاجتماعية.
ويقوم هذا التعديل على انشاء وزارتين مستقلتين الأولى تحت مسمى وزارة القوى العاملة تعنى بكافة شؤون القوى العاملة في القطاعين العام والخاص وتختص بأداء مهام وزارة الخدمة المدنية، معهد الادارة العامة، المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وكالة وزارة العمل لشؤون العمل، ومكاتب الاستقدام العامة والخاصة, والثانية تحت مسمى وزارة الشؤون الاجتماعية وتختص بأداء مهام وكالة الشؤون الاجتماعية والتأمينات الاجتماعية وما يتعلق بذلك من قضايا اجتماعية, ويكتسب هذا التعديل أهميته لكونه يحقق الفصل في الاختصاصات ويساهم في تمركز المسؤولية حول قضية محددة ذات أبعاد متشابهة, وهنا أعتقد ان الكثير من مشاكل سوق العمل التي نعاني منها في الوقت الحاضر قد جاءت نتيجة لعدم وجود جهة محددة معينة بعنصر العمل أياً كان القطاع الذي يعمل فيه, ولعل فشلنا في تطبيق نظام العمل والعمال وما تبعه من قرارات ذات علاقة بسوق العمل خير شاهد على عدم وجود الجهة المحددة المعنية بمتابعة هذه الأنظمة والقرارات أو خير شاهد على عجز هذه الجهة عن التطبيق نتيجة لضعف الامكانات وتشتت المسؤولية.
لقد تطور الاقتصاد السعودي ونما بمعدلات مرتفعة حتى أصبح من المحال الابقاء على الواقع بسلبياته المتعددة التي لا يسأل عنها سوى التشتت الكبير في مسؤولية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
ثانياً: انشاء وزارة للسياحة.
لقد ساهمت الطفرة الاقتصادية في عدم استفادتنا من الكثير من الخصائص التي هي بالنسبة لغيرنا مصدر دخل رئيسي ووسيلة جذب هامة, ولعل أهم هذه الخصائص التي مازالت بعيدة عن الاستغلال الأمثل الخصائص والمقومات السياحية التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية, ولعل السبب في ذلك يعود الى عدم وجود جهة محددة معنية بتنمية قطاع السياحة والمواقع السياحية المختلفة حيث نلاحظ أن وزارة التجارة تشرف على الفنادق والشقق المفروشة والمكاتب السياحية ووزارة المعارف تشرف على الآثار وأمانات المدن على المنتزهات العامة ووزارة الزراعة على الغابات وهكذا مما عقد الأمور وضاعف من البيروقراطية الادارية, أعتقد اننا نخسر كثيراً ونحن نبقي آثارنا ومواقعنا التاريخية الهامة حبيسة القيود التي تفرضها وزارة المعارف بدعوى المحافظة على الآثار، ونخسر كثيراً ونحن نقفل الأبواب أمام السائح الأجنبي ونخسر كثيراً ونحن لم نستفد من شواطئنا الجميلة، ونخسر كثيراً ونحن لم نستفد من فرص السياحة الدينية للأماكن المقدسة, ومن هنا فإن انشاء وزارة مستقلة تحت مسمى وزارة السياحة تشرف على كل ما تقدم بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة سيكون الخطوة الرئيسية والهامة في سبيل الاستفادة من الخصائص السياحية بفكر سياحي منظم والذي بدوره سيساهم في خلق فرص عمل ومصادر دخل جديدة ويحد من الأموال الهائلة التي ينفقها المواطنون سنوياً في الخارج.
وأخيراً: فإن مرحلة اعادة البناء الاقتصادي ستظل تراوح مكانها ما لم تكن مصحوبة بتطور مماثل في النظم الادارية والمالية والرقابية المتبعة خاصة في القطاع العام الذي يعاني كثيراً من المجاملة التي بالغت كثيراً في مراعاة المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة, نحتاج في هذا الوقت بالذات إلى فكر وأسلوب اداري جديد يعطي للانتاجية والتميز في الأداء الأولوية في تقويم عطاء الموظف أياً كان موقعه في السلم الوظيفي, نحتاج الى نظام اداري ومالي ورقابي صارم قادر على قيادة الجميع إلى تحقيق المصلحة العامة بغض النظر عن الأهواء والرغبات الشخصية التي ربما تعسف بالمصلحة العامة ان غاب النظام أو ضعف.
* استاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية