رجل المستقبل يصنع منذ الصغر ملازمة الأطفال لآبائهم تدعمهم معنوياً وتجهزهم للمستقبل |
* تحقيق : رياض العسافي
اصطحاب الآباء لاطفالهم في المناسبات العامة وفي المساجد لاداء الصلوات ظاهرة قليلة وغير منتشرة في المجتمع رغم مالها من ايجابيات تطغى على السلبيات التي يخشى الكثيرون منها,, فهي تساهم في زرع الثقة في نفس الطفل وتجعله أكثر استعدادا ليكون رجل المستقبل الذي يعتمد عليه والده وينيبه عنه في الكثير من المهمات.
عن هذا الموضوع كان لنا هذا التحقيق الذي خرجنا منه بالآراء التالية:
لاضرر ولا ضرار
يقول الشيخ عبدالمحسن بن عبدالحميد الرشود إمام مسجد عبدالله بن عمر بحي النهضة:من الواجب على كل اب قبل أن يصطحب أطفاله الى المسجد أن يقوم بتهيئتهم معنوياً لكي ينير امامهم الطريق ليقتبسوا منه سلوكاً قويماً يهتدون به ويتصرفون بمقتضاه في هذا المكان الطاهر، ويضيف الشيخ الرشود بأن هناك صنفين من الآباء على طرفي نقيض صنف يغلق الأبواب ويحول دون وصول أطفاله اليها، والآخر يفتحها على مصارعها ويتيح للصغار حرية مطلقة لاتحكمها مبادىء وقيود، وبما أننا أمة وسط وديننا يميل الى التوسط في الامور كلها فليس هناك مايحول بيننا وبين الاحتكام الى الوسطية في هذه القضية، فديننا الحنيف لم يرد فيه من النصوص مايشير الى منع دخول الاطفال الى المساجد بل العكس فقد ورد الكثير من الأحاديث التي يستدل منها على جواز إدخال الاطفال المساجد، حيث روى البخاري عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على امه .
لماذا نصطحب أطفالنا إلى المساجد ,,, ؟
ويضيف الرشود مواصلاً: إن دخول أطفالنا المساجد يترتب عليه تحقيق الكثير من الأهداف الدينية والروحية والتربوية والاجتماعية الى غير ذلك، فاهتمامنا باصطحاب أطفالنا الى المساجد ينمي لديهم شعيرة دينية هي الحرص على أداء الصلاة في جماعة كما أنها تغرس فيهم حب بيوت الله وإعمارها بالذكر والصلاة، وهذا هدف روحي في غاية الأهمية لكل شخص مسلم، كما أن المساجد هي ملتقى إجتماعي يقصده كل مسلم على اختلاف جنسيته وفكره ومستواه الاجتماعي والمادي وهذه فرصة عظيمة لاطفالنا ليستمدوا منها خبرة وتجارب مما تنمي شخصياتهم وهذا هدف إجتماعي تربوي هام، كما أن الملاحظة هي خير وسيلة للتعليم وهي نقطة البداية التي يتبعها التجريب، فملاحظة الطفل للكبار عند أداء صلاتهم يكون سبباً في سرعة تعلمه لكيفية أداء الصلاة مستوفية أركانها وهيئتها، ولوحاولنا حصر الأهداف المترتبة على مشاركة الأطفال للكبار في دخول المساجد لطال بنا المقام ولما تمكنا من الإلمام بها.
بالحكمة,, علموهم احترام المساجد
وعن كيفية التغلب على انتهاك حرمات بيوت اللّه الذي يتسبب فيه أغلب أطفالنا الصغار أجاب إمام مسجد عبدالله بن عمر بأن هذا لايتحقق إلاّ إذا أحطناهم علماً بقدسية ذلك المكان، والهدف الذي من أجله قد وضع في الأرض، والاختلاف المتباين بينه وبين غيره من أماكن اللهو والعبث التي يمنح الفرد فيها مطلق الحرية والانطلاق، ومن هنا يدخل أطفالنا المساجد وقد تهيأوا انفسياً وفكرياً بما يساعدهم على تقبل أي انتقاد يوجه لهم نتيجة تصرفاتهم المخلة بآداب المساجد لاستدراك خطئهم عند استرجاع ذاكرتهم وماخزنته من توجيهات آبائهم قبل دخولهم المساجد.
وبذلك يتبين لنا أهمية التهيئة وآثارها الإيجابية على استقرار الجو الداخلي لبيوت اللّه ويليها عملية التوجيه المستمر بدون اللجوء الى الزجر والتوبيخ والتعنيف المحطم لشخصية الطفل مما يجعله يكره الذهاب الى المساجد.
أسلوب تربوي هام
ويضيف الشيخ عماد بن محمد الهذيل إمام مسجد خالد بن الوليد: إن الابناء الصغار يحبون الخروج من المنازل والذهاب الى المجالس ومخالطة ابناء الحي والجيران بل يرون من العيب أن يبقوا حبيسي جدران البيت، ولذا فهم في أمس الحاجة الى أن يكون لصقاء لأب قدوة ذي سمات حسنة يذهبون ويخرجون معه ويتعلمون من آدابه واصطحابهم الى المساجد فرصة للقيام بمسئولياته مع انشغاله بمتطلبات الحياة عن تربية الابن,, يقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم : مامن عبد يسترعيه اللّه رعية، فلم يحطها بنصحه، الا لم يجد رائحة الجنة , لذا فان السبيل الى تربية الابن في خضم هذه المشاغل اليومية هو اصطحابه الى المسجد.
يقول ابن خلدون: التعليم في الصغر أشد رسوخاً، وهل أصل لما بعده .
فللّه در هذا الأب الذي يحفّظ ابنه دعاء الخروج من المنزل وآداب المشي الى الصلاة وعظم الأجر في هذه الخطوات من حط الخطايا ورفع الدرجات وأن الله يكتب هذه الآثار، ثم يغرس في نفس الابن تعظيم شعائر اللّه وانها من تقوى القلوب ويبين له مكانة الصلاة في الإسلام واحترام بيوت اللّه واجلالها في النفوس فلايجلس حتى يصلي ركعتين ثم يذكر اللّه ويتلو القرآن ويعلمه ان الملائكة تصلي عليه وتدعو له ما انتظر الصلاة، ثم يتعلم كيف يصف قدميه الصغيرتين جنباً الى جنب مع المصلين، ثم يربيه على تدبر أذكار الصلاة من تكبيرة الاحرام حتى السلام وما فيها من تعظيم اللّه وإجلاله,ويواصل الهذيل: كما يتعلم من جماعة المسجد وسلوكهم آداب الانصات لخطبة الخطيب أو موعظة الإمام بعد الصلاة,وقد كان نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم يصطحب الحسن والحسين وهما صغار ويقول عبداللّه بن عمر: كنت اتسابق مع أبي على فرجة في الصف، فكنت أخف منه فاسبقه إليها.
ويختتم الهذيل حديثه: هكذا كان السلف فلنكن خير خلف.
وادعو الآباء ان يصطحبوا ابناءهم الى المساجد ولايقفوا أمام حب وشغف الطفل لما يشهده من مظاهر تعبدية في خير بقاع الأرض.
الأطفال الشجعان
ويشير في نهاية الحديث الاستاذ عبدالله الشافي مدير مدرسة ابن البيطار الابتدائية بمدينة الرياض الى انه يلاحظ ان هناك طلبة في المدرسة وبرغم صغر سنهم الا ان لديهم ثقة في انفسهم ثقة في الكلام والمواجهة وسؤال المدرس وعدم الخجل والحياء وهذا يتجسد فقط خلال الابناء الذين يجدون دعما معنويا من آبائهم بتجهيزهم لكل المواقف وذلك عن طريق اصطحابهم في المناسبات الخاصة والعامة والطلب منهم مخالطة الرجال والتحدث معهم والاعتماد عليهم في كبائر الامور وصغائرها.
|
|
|