قال الشاعر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بمالا تشتهي السفن |
فتسبح بخيالك الخواطر والأفكار،وتحلق فيه الرغبات، وتقفز بك الأمنيات في عالم بعيد,, فتسيح بك عبر ذلك العالم المترقب المأمول والمنتظر المجهول,, فتجاوز بك وتتعدى أرض الواقع، لتقلك بخيالات بعيدة عبر ساحات الأفق الشاسعة التي لا تنحصر بمحدود، ولا تقبل أو تخضع أو ترضى بحدود,, فتنقلك في تفاوت لا محدود من واقعك المعاش الى أبعاد متفاوتة لا تتسع معها لعل أو حتى ليت وقد تتراجع بك الى مسافات قد تعداها واقعك,, فالأمنية عالم غريب وعجيب,, فما أمنيتك يا صاح؟!
وأي مبلغ وصلت بك أفكارك وهواجسك؟!! فلنمسك بكراسة الحياة كي نتجول بين أوراقها وصفحاتها عبر أمنيات الناس في هذا الوقت الذي تتفاوت بينهم علو الأمنية ودنوها,, ولنحاول اعادة الشريط لتلك السفينة المشرعة في بحرلجي,, لنقف على مطاراتها وأين حطت طائراتها,!
فنجد من سمقت به الأمنية الى أعالي الجبال وذراها,, كما نجد من هوت به الأمنية الى الحضيض ومهاوي الحفر,, فمن أمنيته ممكنة الحصول متيسرة لمن بذل أقل مجهود,, ومن أمنيته صعبة لا يمكن أن تنال ولو بذل غاية الجهد.
هيا لنتنقل بين أماني الكثيرين,, وما عسانا نجدها,,
** فمن غاية مبتغاه سيارة من الماركة الفلانية والطراز العلاني.
** ومن هو دون ذلك إذ لا تتعدى أمانيه ساحة بطنه أو مقر استراحته.
** ومن أمنيته فوز فريقه وحصوله على بطولة معينة.
** ومنهم من أمنيته حصوله على شيء من حطام الدنيا الزائل.
** ومن تنحط به أمنيته الى المعاصي والرذائل والفواحش.
ولو دخلت فصلا مزدحما بالطلاب وعشت معهم لحظات لتعرف أمنياتهم لسمعت العجب العجاب,, فأمنيات قصيرة، وطموحات ركيكة، وغايات صغيرة.
فياللعجب كيف يضيع الواقع وتضيع معه الأماني عند كثير من الناس,, فلا أدرك واقعا حسنا يهنأ به,, ولا رفع أمنيته لمستويات رفيعة حسا ومعنى.
ان للأمنية سببا في تغيير مجرى الحياة لتأثيرها على الطموح.
فلنرفع مستواها لنصل الى قدر كبير منها ولا نقصرها على الدون، فقد لا نحصل على أي جزء منها,, قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لأحد أبنائه: تمن, قال: أتمنى أن أكون مثلك, قال له: لا، ولكن تمن أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنك إن تمنيت مثل عليّ فقد تبلغ عليا وقد لا تبلغه، وان تمنيت مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تصل عليا وقد تتعداها, فهذه هي التربية العملية التي تبني فتعلو بالهمم لتبلغ ذرا الجبال.
واليكم زهرة أخرى من أزاهير الكتب التي عطرتنا بسيرة عطرة لرعيل نفتخر به ونفاخر:
اجتمع عبدالله بن عمر، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعبدالملك بن مروان، فقال لهم مصعب: تمنوا, فقالوا: ابدأ أنت, فقال: ولاية العراق، وتزوج سكينة ابنة الحسين وعائشة بنت طلحة فنال ذلك، وتمنى عروة الفقه وأن يُروى عنه الحديث فنال ما تمنى, وتمنى عبدالملك الخلافة فنالها وتمنى عبدالله ابن عمر الجنة.
فقل لي أمنيتك أقل لك ما مستوى طموحك.
عبدالمحسن بن سليمان المنيع