Monday 17th January, 2000 G No. 9972جريدة الجزيرة الأثنين 11 ,شوال 1420 العدد 9972



يارا
صح لسانك
عبدالله بن بخيت

أكبر مشكلة سيكلوجية أواجهها في حياتي هي اسف عظيم ينغص يومي مع إشراقة كل صباح، سببه أنني لم أصبح شاعراً, ربما يدّعي القارئ أنني لست موهوباً والشعر يتطلب موهبة قبل كل شيء, فالذي يقرأ 90% مما ينشر يكتشف ان حكاية الموهبة مجرد أكذوبة كبرى يقولها لنا كثير من الشعراء والنقاد حتى لا يكثر من يزاحمهم, ولا أخفيك أنني حاولت كتابة الشعر في مطلع حياتي الكتابية, واليوم عندما أنظر للوراء أعتقد ان تجربتي مع الشعر كانت ناجحة جدا بمقاييس الاخوان الشعراء الذين نقرأ لهم سواءً على مستوى (تعفيط الحكي) كما هو عند الحداثيين او على مستوى (تنطيل الحكي) عند الشعبيين, فمع الأسف لم اكن شجاعا حينها وإلا لكان الآن بطني شبعان وقلبي طربان.
أتذكر ان ما أفعله في ايام شبابي الأول هو في مجمله ما يفعله كثير من الإخوان الشعراء, وهو إعادة تركيب كلام الآخرين بشكل (معفط) دعني أعطيك جملة من كلام الناس وكيف تعفجها حتى تحولها الى شعر حديث.
يقول الناس في حديثهم اليومي: (الشمس تطلع من الشرق) فأنت كشاعر حديث لا تقول هذا الكلام إلا بعد ان تجري عليه التعفيط اللازم كقولك (شرق سقمت منه تلك الشمس لا غرب لها تشرق منه) لاحظ أنه نفس الكلام، ولكن الاول كلام عادي والثاني شعر.
وموهبتك الشعرية تعتمد على قدرتك على تعفيط الحكي,, فكلما زادت قدرتك على عفج كلام المسلمين كلما تألقت أكثر في سماء الشعر,, ولكي تكون الصورة واضحة في ذهنك أنصحك ان تعلق في مكتبك قوطي ببسي واطيته سيارة وقوطي ببسي سليم وأن تضعهما نصب عينيك كلما جلست تكتب قصيدة حديثة.
أتذكر ان أحد الشعراء لا أريد ذكر اسمه الآن كان يكوّم دواوين الشعراء المحدثين ويفرشها قدامه ويقرأها بشكل عشوائي وينقش من هذا الديوان سطرا ومن ذاك الديوان كلمة ويركب هذه في مكان هذه ويدخل الجملة في الاخرى وهكذا ينتهي بقصيدة من اعظم القصائد تفرد لها صفحة كاملة في الجريدة او صفحتان في المجلة, ومثل هذا الشعر يدخلك مع الكتاب والشعراء الجادّين، فمثلا واحد يمضي نصف عمره في تأليف رواية او قصيدة شعر حقيقية واحدة وأنت لا تحتاج إلا لعشرين دقيقة تعرفط فيها ديواناً كاملاً.
على كل حال ليس هذا هو سبب مغص قلبي، فأنا لا أشعر بالحسد الآن تجاه الشعراء الحداثيين، لأن تعفيط الحكي لا يؤكل عيشاً,, ما يقهرني هو أنني لم أصبح شاعراً شعبياً حيث يأتيك الخير من كل الجهات، فهو أولاً وقبل كل شيء فرصة كبرى للمغازل, قل بربك مَن من المراهقات اللاتي لا تدوخها قصيدتي التالية:
وش تقولين يا بعد عمري
وش تقولين
شفتك أنا في السوق
شيلتك تدودلين
ومطلعة من البرقع قطيبة من الجبين
ها يا بعد عمري وش تقولين).
من هي المراهقة التي تستطيع ان تصمد امام مثل هذا الشعر خصوصا إذا قرأته مصحوبا بمؤثرات صوتية أو نشر في ديوان كله زخارف.
فأي واحدة ترى أنها تدودل شيلتها في السوق سوف تتعلق فيَّ لا محالة, فلو لم يأتني من الشعر الشعبي إلا المغازلة لكفاني, ولكن خير هذا الشعر أعظم وأعمّ، فلو درسنا الأمر بجدية لاكتشفنا ان هذا الشعر تحول مؤخرا الى اعظم وسيلة للطرارة في العالم.
وأعتقد أنه ساهم في تطوير فكرة الطرارة ونقلها من مجرد استجداء تقليدي الى عملية استثمارية غير مسبوقة, فإذا نجح احدهم في الدراسة او تم تعيين مسؤول صنف لك حكي مثل قصيدة (الشيلة) أعلاه وأنشرها في صفحة كاملة في الجريدة وأبشر بالخير, ولكن إذا كنت تريد استثماراً دائماً ولديك رأس مال لا بأس به فبإمكانك ان تصدر مجلة تغازل من خلالها وفي الوقت نفسه تنشر فيها طرارتك وأكثر من ذلك تؤجرها على المغازلجية والطرارين الآخرين.
ودمتم للمسلمين سالمين.
لمراسلة الكاتب
Yara2222 * hotmail. com

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.