نازعني شعورٌ بالزهو حين بثّت وسائل الاعلام نبأ انتخاب رياض العزّ عاصمة للثقافة العربية عام 2000م، واعتبرتُ هذا التكريم اعترافاً بما ترمزُ اليه هذه المدينة هيبةً ومكانةً وتاريخاً!.
* فهي عرينُ كيانٍ اسلامي عريق,, يضمُ أقدسَ بيت في الأرض يوليه المسلمون وجوههم شَطرَ المشرق والمغرب خمسَ مرات في اليوم والليلة.
* وهي عاصمة كيانٍ سياسي قويم تتجه اليه افئدة العرب والمسلمين في السرّاء والضرّاء تستلهم منه الحكمةَ وسدادَ الرأي,, وتستشفّ عَبره سُبلَ الصواب اذا ما داهمته الخطوب!.
* وهي عاصمةُ كيانٍ اقتصادي متين,, بما تمثّله من وزن مالي ثمين، نفطاً وصناعةً واستثماراً وخدمات!.
***
إذن، فقرار اختيار الرياض عاصمةً للثقافة العربية في مطلع الألفية الثالثة، له في أذهان اصحاب ذلك القرار أكثرُ من سبب يسوِّغ اختيارهم، وله في وجداننا نحن أهلَ الدار أكثر من فرحة، ونتمنى من الأعماق أن تكون الرياضُ أهلاً للطموح الثقافي الذي اختيرت من أجله!.
***
لكن في خاطري بعضَ التساؤلات والملاحظات التي أحسَب أنها لم تغب عن الاذهان، ونحن نستقبل عام 2000، لتبدأ به ومنه الرياضُ ممارسة دورها الثقافي المنتظر، فأقول:
أولاً: الصحافة في أي مكان أو زمان هي أبرزُ واجهات المشهد الثقافي، والحكمُ لها أو عليها كمّاً وكيفاً مقرونٌ بمساحة انتشارها,, وكثافة قرائها، وعمق طرحها ومصداقيتها، ودقة مواكبتها للحدث المحلي والدولي: رصداً وتحليلاً!.
* فما هو يا تُرى، نصيبُ صحافتنا المحلية من كل هذا؟!.
* كلُّ ما يمكن قوله في هذا السياق هو ان صحافتنا لم تزل تشقى ب(محليّتها) محتوىً وانتشاراً وتوزيعاً، ناهيك بالغياب المهني لمعظم العاملين بها الذين أزعم أن بعضهم يتكئون على الهواية لا الاحتراف! هذا لا ينفي تفوّقَ بعض صحفنا على بعض في الوقت الراهن عبر واحد أو اكثر من الاهتمامات الصحفية، لكنها في مجملها لم ترقَ بعدُ الى مستوى مشهود، عربياً أو خليجياً.
***
ثانياً: أزعم أنّ الكتابَ بدأ في ساحة المعرفة غريباً,, وقد ينتهي غريباً كما بدأ,, بفعل هجمة أوعية البث الفضائي إذاعةً وتلفازاً و(انترنتاً) بحيث بدأت تضيق مساحة استقبال الكتاب، والاهتمام به، والاستفادة منه، واذا كان حظنا هنا في المملكة من الكتاب ما برحَ متواضعاً موضوعاً وجودةَ طرح وهامشَ تعبيرٍ، ناهيك بالانتشار، مقارنةً بما يتم في حواضر ثقافية اخرى عبر عالمنا العربي,, فماذا عسى الرياض أن تفعل في هذا الصوب بعد أن حلّ موعدُ ولايتها عاصمةً للثقافة العربية عام 2000؟! ثم ما هو حجم انتاجنا من الكتب الجادة,, وما هو حجم الجودة العلمية والمعرفية والشفافية الفكرية في الكثير منها؟!.
***
ثالثاً: أما عن قطاع المسرح، بموضوعاته وفنونه وابداعاته، فإنني أفضّل الصمتَ اختصاراً لكثير مما يمكن أن يُقال في هذا الصوب، فالصّمتُ أبلغُ جواب! وفي تقديري المتواضع,, أننا لم ندخل بعد عصرَ المسرح حتى من أضيق دروبه بمفهومه المهني والإبداعي، وما نشاهده أو نقرأ عنه أو نسمعه الآن ليس سوى محاولات يبشّر بعضها بالتفاؤل,, لكنّ بيننا وبين المسرح الحقيقي مسافاتٍ شاقةً من الزمن ومن الخبرة ومن التأهيل القادر على الفعل الدائم والمؤثر والمفيد!.
وبعد,.
أرجو ألّا يؤول هذا الحديث بعيداً عن مقاصده، فأنا ممّن يزهو فخراً وتِيهاً باختيار الرياض عاصمةً للثقافة مع مطلع الالفية الثالثة التي حلت قبل اسبوعين، لكنني أردتُ أن اذكّر نفسي ومَن يهمه الأمر أن أمامنا في هذه البلاد الغالية مشواراً طويلاً وشاقاً كي ننمِّيَ تأهيلنا ثقافياً في كل المجالات، فليس من الحكمة في شيء أن ندّعي انجاز ما لم ننجزه بعد، لكننا نملك رغم ذلك العزمَ والإرادة والوسيلة بإذن الله لمضاعفة حصادنا الثقافي، ولعل العام 2000، ونحن نستضيف خلاله وقائعَ الاحتفاء بولاية الرياض عاصمةً للثقافة العربية لعل هذا العام أن يشهدَ قفزاتٍ كبيرةً للإبداع الثقافي في بلادنا تتجذَّرُ من خلالها معالمُ حقيقية للريادة الثقافية على نحو تزهو به الرياض، ونزهو معها، أمام شقيقاتها في الوطن العربي!.
***
وأخيراً وليس آخراً,,رحم الله فقيد الثقافة والمثقفين فيصل بن فهد بن عبد العزيز، فقد كان من بين احلامه أن تتوج الرياض عاصمة للثقافة العربية,, وها هو الحلم يتحقق ليكون شاهداً على سمو الحلم,, وسمو صاحبه!.
عبد الرحمن بن محمد السدحان