لاشك ان من يدرس حركة الأدب عالميا وبالذات الشعر سيجد ان تي اس اليوت يستحق بجد موقع الشاعر الأكثر تأثيرا في مسيرة الأدب للقرن العشرين, وانه نفسه شاعرا وكاتبا وناقدا، أهم رواد حركة التجديد، خاصة في الشعر، وأبرز اعلام الشعر الحر والمدرسة التخيلية في الأدب الغربي المعاصر، وقد ترك اثره الكبير شاعرا وكاتبا مسرحيا ومحررا وناقدا في ثقافة القرن العشرين خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين، وكانت له تجاربه الرائدة المجددة في الصياغة والاسلوب والوزن والقافية حتى اعاد الى الشعر الانجليزي حيويته بعد خلوده الى الكلاسيكية حتى وقع في الركود الممل.
كانت قصائد تي أس إيليوت المبكرة ساخرة أحيانا، وكثيرا ما اتسمت بالتزويق والبريق اللفظي، وقد تحسب بعضها على المدرسة الرومانسية المتشبثة بالحلم اذ كان بعضها مشوبا بمسحة من التشاؤم الدفين، خاصة فيما يتعلق بالقيم الجمالية والأخلاقية في المجتمع، ولاشك أن هذا الموقف جاء من معايشة العصر ومن قصائده الشهيرة قصيدة الارض اليباب الشهيرة وأغنية عشق لالفردبي بروفروك وكلتاهما تفيض بالكثير من الحزن واليأس بلغة دافئة وموسيقية اخاذة وتعبيرات متفردة منها مثلا:
محزنون نحن/ نقيس أيامنا بملاعق القهوة,, .
بعد الثلاثينات امتزج في شعره تأثير الدين والغيبيات وما وراء الطبيعة وبدت فيه النزعة الرمزية المسيحية، موحية بالتوبة ومضيفة نفحة من الامل، في اعمال مثل اربعاء الرماد (1930) والرباعيات الأربع (1943) وكذلك في قصائده الفلسفية التي يرن فيها التفاؤل بدلا من نزعة التشاؤم السابق.
وفي مجال النقد القى سلسلة من المحاضرات في جامعة هارفارد جمعت في كتاب بعنوان فائدة الشعر وفائدة النقد وقد تناول قضية التجديد في العديد من مقالاته النقدية التي كتبها محاربا الافكار القديمة المحافظة التوجه، واستحدث اخرى جديدة، وعني بالقضايا الاجتماعية والثقافية وتداخلهما في ساحة الابداع, ومنذ البدء شمل تي أس اليوت برعايته الكثير من الشعراء الناشئين الذين احتضن إبداعاتهم المجددة منذ أيام إدارته لدار نشر (فيبرآندفيبر) المشهورة بنشرها الكتب الادبية ذات المستوى الرفيع, وفي المرحلة الاخيرة اصبح لايليوت ككاتب مقالات وناقد، نفوذ عظيم وتأثير متزايد في الحركة الادبية، وخاصة فيما يتعلق بإحياء الاهتمام بالشعراء الذين اتجهوا نحو المغيبات ، مثل الشاعر الانجليزي درايدن .
اشتهر ايليوت ايضا في مجال الادب المسرحي وقد نشر مسرحية الصخرة عام 1934، ثم جريمة في كاثدرائية 1935 فحصلت على شهرة واسعة رفعته الى نخبة الكتاب المسرحيين المتميزين وبعد الحرب العالمية الثانية طور ايليوت المسرحية الشعرية بتناول الموضوعات المعاصرة في مسرحياته الناجحة جدا: حفلة كوكتيل والكاتب السري (1950) ورجل الدولة المسن (1958).
وقد ادى نشر كتابه الرباعيات الاربع خلال الحرب العالمية الثانية الى الاعتراف به كأعظم شاعر انجليزي معاصر ومنحه عام 1948 وسام الاستحقاق وجائزة نوبل.
فهل ستقدم الالفية الثالثة مبدعاً مؤثراً بمثل قامة تي أس اليوت؟.