كان موضوع الحلقة الماضية عن ضرورة مواكبة الانظمة ككل والانظمة ذات العلاقة بالانشطة الاقتصادية بشكل خاص للتطور الاقتصادي وللتغيرات والمستجدات في المعاملات والمبادلات الاقتصادية والمالية.
وقد تطرق المقال لبعض الامثلة الدالة على ضرورة الاهتمام بهذا الجانب سواء لدعم واستمرارية عملية النمو الاقتصادي او لضمان عدم الاضرار ببعض افراد او شرائح المجتمع او لحفظ الحقوق وصيانتها.
ومن الجوانب التي لها بعد اقتصادي وبحاجة الى نظم واطر وقوانين المشروعات والمؤسسات الخيرية وذات النفع العام والتي لا تهدف الى تحقيق الربح, فهذه الانشطة بحاجة الى تنظيم تعمل في اطاره سواء من حيث التأسيس او من حيث اختيار اعضاء مجالس الادارة او الامناء او الكيفية التي تدار بها او التي تجمع بها وتحصل الايرادات الى غير ذلك من الامور, ولاشك ان الامر يصبح اكثر الحاحا اذا كانت مجالات عمل هذه المؤسسات والمشروعات ممتدة الى خارج الحدود,, ومن المتوقع ان يساعد وجود الانظمة في هذا الجانب وتطبيقها بحيادية على الابتعاد عن الاعتبارات الشخصية التي تحكم احياناً هذا النوع من الانشطة ويجعلها تدار بكفاءة افضل ويمكنها من تحقيق اهدافها بيسر وسهولة.
في جميع الحالات السابقة وغيرها لايزال المجتمع بحاجة الى انظمة جديدة ترسم له طريقه وفي احيان اخرى هو بحاجة الى اعادة تجديد وتحديث للموجود لتصبح اكثر فاعلية وفائدة.
ويفترض ألا يغيب عن الذهن ان مجرد الهياكل والبنى الاقتصادية القوية غير المدعومة باطار قانوني ونظامي مناسب تظل عاجزة عن بناء اقتصاد قوي راسخ قادر على جذب الاستثمارات واستقرارها وعلى حماية حقوق الاطراف المتعاقدة وحماية حقوق المجتمع ككل ومنع استغلال مقدراته لصالح اطراف معينة, ولربما ادى التطور الاقتصادي غير المصحوب بالانظمة والقوانين المناسبة الى آثار سلبية على عملية التنمية الاقتصادية وعلى مستويات المعيشة لبعض فئات المجتمع.
ومن الضروري لتفعيل هذه الاطر والاسس وجود الكوادر والهيئات المتخصصة المؤهلة اولا لصياغتها وثانيا لنقلها الى الواقع العملي لئلا يساء استخدامها, والجانب الاخير على قدر كبير من الاهمية فوجود الانظمة لوحده غير كاف بل لابد من التطبيق السليم الذي لا يتأتى الا بوجود الكفاءات المؤهلة, فعلى سبيل المثال هناك العديد من الانظمة المرورية لكن يفتقد كثير من القائمين على تطبيقها الى التأهيل والتدريب اللازمين, فتطبيق الانظمة في مثل هذه الحالات يحتاج الى قضاة ومحاكم متخصصة, فالبت في الحوادث وتحديد نسبة تحمل كل طرف او تحميله مخالفات في حين يعتقد انه لا يستحقها بدون إعطائه حق الدفاع عن نفسه امور ليست سهلة بل لابد من الاخذ في الاعتبار بالظروف المحيطة بالحادث واخذ اقوال أصحاب القضية وأقوال الشهود واثباتها بطريقة تراعى فيها الجوانب الشرعية.
لان هذا الامر قضاء فلا يبت فيه الا من لديه إلمام شرعي كاف بالنواحي والاجراءات القضائية وإلمام ايضا بالانظمة المرورية حتى يكون الحكم قريبا قدر المستطاع من تحقيق العدالة ومن استيفائه للشروط والضوابط الشرعية, وما يصدق على القضايا المرورية يصدق على الجوانب الاخرى.
ولا اتصور ان سن أنظمة وتشريعات تنظم حياة الناس المعاصرة وتعالج مشاكلهم يعتبر معضلة لدى المسلمين في ظل وجود الفقه الاسلامي والذي تحتوي قواعده الكلية وفروعه على ما ينظم حياة المجتمع ويصلح احواله ويصيغ حياته وفق الشريعة الاسلامية,,فكتب الفقهاء مليئة على سبيل المثال بالاحكام والقواعد المتعلقة بالاحتكار سواء احتكار السلع او احتكار عناصر الانتاج وكذا بأحكام التسعير والاسس الواجب مراعاتها عند وضع الاسعار, وقد اسهبوا في الحديث عن شروط وأساليب إتمام المعاملات والمبادلات وإنفاذها، كما وضعوا الأسس والقواعد التي بناء عليها تتحدد مسئولية كل طرف من اطراف التعاقد الى غير ذلك من الامثلة.
* قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود