دعهم يذهبون د, عبدالله فهد اللحيدان |
تبدو روسيا وعلى رأسها السيد فلاديمير بوتين القائم بمهام الرئيس الروسي والمرشح الرئيسي للقوى الحاكمة في روسيا حاليا للانتخابات القادمة في ورطة وتتمثل هذه الورطة بالازمة الشيشانية, وتعيش روسيا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي ووصول يلتسن لحكم روسيا الاتحادية في سلسلة من المصاعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكن المشكلة الابرز التي تواجهها روسيا حاليا هي المشكلة الشيشانية والتي ان كان لها فوائد لحكام روسيا حاليا فهي فائدة جذب انظار المواطنين بعيدا عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الى الاهتمام بالأمن، بزعم ان الحرب في الشيشان هي لجعل المواطن الروسي يعيش بأمن، وان كانت الدولة لم تحقق الرخاء الاقتصادي والانسجام الاجتماعي والنزاهة السياسية فهي على الاقل حريصة على الحفاظ على الأمن الذي يأتي في قائمة اولويات الانسان ثم تأتي الحاجات الاخرى.
فبعد سلسلة من التفجيرات المشبوهة والتي وقعت في مجمعات سكنية مدنية استبعد شخصيا تورط الشيشان فيها ، قام السيد بوتين المدعوم من جنرالات الجيش بحملة ضخمة للقضاء على الارهابيين في داغستان ولم يكتف بذلك بل واصل الزحف داخل الشيشان التي وقعت معها روسيا اتفاقية سنة 1996م تعهدت فيها روسيا بحل اي مشاكل مع الشيشان بالطرق السلمية، وفي البداية كانت الدعاية هي اقامة حزام امني داخل الشيشان لحماية داغستان الروسية.
لكن سهولة سقوط القرى والمدن في يد الروس اغرى القيادة الروسية بمواصلة الزحف خصوصا مع السكوت المريب للدول الغربية والتي اوهمت روسيا انها تقبل حجتها بأن هذه الحملة موجهة ضد الارهاب.
طبعا كان السقوط السهل لعدد من المدن والقرى الشيشانية في بداية الهجوم الروسي ناتج عن استراتيجية القتال عند المجاهدين الشيشان والذين يجيدون حرب المدن والشوارع واستراتيجية الكر والفر او ما يسمى بلغة الصحافة بحرب العصابات , اما السكوت الغربي في البداية فيرجع في اعتقادي الى ان الغرب يريد ان تنجر روسيا الى المستنقع الشيشاني, وسارت الحملة ببطء شديد من جانب روسيا، وكان هذا مقصودا حتى لا تصل القوات الروسية الى مناطق القوة الشيشانية في غروزني وجنوب البلاد الا بعد انتخابات ديسمبر البرلمانية, وقد اتت هذه الاستراتيجية اكلها حيث استطاع حزب وسط اليمين كتلة روسيا الواحدة الحاكم تعظيم ارباحه الى اعلى درجة وتقليل انتصار الحزب الشيوعي الذي فاز بأكثرية المقاعد البرلمانية ولكن ليس الى الدرجة التي تمكنه من اعاقة عمل الرئيس القادم.
وبعد ان انتهت الانتخابات البرلمانية وحققت حرب الشيشان شيئا من اهدافها المهمة وهي اظهار بوتين بمظهر الرئيس القوي القادر على حماية وحدة وأمن روسيا، حاول الروس دخول غروزني وهنا بدأت الحرب الحقيقية مع الشيشان, وتواجه القوات الروسية خسائر فادحة في الاسبوعين الماضيين, وهنا اصبح بوتين في ورطة فالانتخابات الروسية قد قدمت ثلاثة اشهر الى السابع من مارس القادم بعد شهرين من الآن بعد استقالة يلتسن قبل ستة اشهر من انتهاء ولايته وكان المفروض ان يكون قد تم احتلال غروزني واعلان انتصار الروس بقيادة بوتين مما يمهد بشكل كبير لفوزه وجنرالاته وعصبة الحاكم بالرئاسة، ومن السير الحالي للمعارك فسيحل السابع من مارس والحملة الشيشانية لم تنته مما يضعف لكن لا يلغي فرص بوتين امام المنافسين الآخرين, بالطبع يستطيع بوتين ان يدعي الانتصار في الشيشان من خلال تدمير غروزني لكن ستبقى هناك جيوب كثيرة وقوية للمقاومة وسيظل الروس يتلقون الخسائر البشرية القادمة يوميا ولشهور بل ربما لسنوات عديدة.
اما الدول الغربية فهي في افضل موقف فقد قبلت حجج الروس المبدئية بمحاربة الارهاب ثم لما اطمأنت الى دخول روسيا في الشرك بدأت تهاجم انتهاك روسيا لحقوق الانسان في الشيشان، لكنها ظلت تقول ان الشيشان يجب ان تبقى جزءاً من روسيا، وهي تريد من وراء ذلك بقاء الشيشان جرحا نازفا في جسد الدب الروسي لأن الغرب يعلم مدى تمسك الشعب الشيشاني وشغفه بالاستقلال, فالغربيون يقولون حسنا ياروسيا نحن نتفق معك في ان الشيشان جزء من روسيا لعلمهم ان الاغلبية الكاسحة من الشعب الشيشاني لا تريد البقاء جزءا من روسيا بل تريد الاستقلال التام والدليل على ذلك ان المنافسة في انتخابات الرئاسة الشيشانية السابقة انحصرت بين مسخادوف الذي يطالب باستقلال الشيشان وبما لا يضر بالمصالح الروسية المشروعة في القوقاز وبين باسييف الذي يطالب بالاستقلال الفوري بل وطرد الروس من المنطقة تماما, اما من طالب ببقاء بعض الروابط مع روسيا فلم يحقق اي نتائج تذكر.
وامام هذه الاوضاع فان افضل استراتيجية يمكن للسيد بوتين ان ينتهجها لانقاذ روسيا وانقاذ مستقبله السياسي هي تعليق الحملة العسكرية ومحاولة التفاوض مع الشيشان, واعتقد ان افضل من يمثل الشيشان هو رئيسهم المنتخب شرعيا اصلان مسخادوف الذي سارعت روسيا الى تهنئته بالفوز بالرئاسة على خصمها اللدود سليمان باسييف,
ومسخادوف تعهد للشعب الشيشاني بتحقيق الاستقلال وتطبيق الشريعة ولا يستطيع الحياد عن ذلك لكنه مستعد للتفاوض مع روسيا في القضايا الاخرى, ان التراجع قبل الغرق التام في المستنقع الشيشاني افضل كثيرا من الاصرار على الاستمرار في مشروع له مخاطر كبيرة, وهذه الولايات المتحدة قد فرت من فيتنام عندما رأت الهزيمة المحدقة بل وبعد ذلك فرت من لبنان ومؤخرا عن الصومال وهي تحتكم الى الاستفتاء لتقرير بقاء بورتريكو تحت الحماية الامريكية او منحها الاستقلال التام وكذلك تفعل كندا مع اقليم كويبك.
ان هذه من نقاط القوة عند الولايات المتحدة وهي قدرتها على التراجع في الوقت المناسب, ان ارادة الشعوب لا تقهر والله سبحانه وتعالى مع المظلوم ومع الذي يدافع عن دينه وعرضه وارضه, وهؤلاء الشيشان قد لبسوا اكفان الموت فاحفظ يا سيد بوتين دولتك وقوتها ومكانتها الدولية وابحث عن انتصارات في مجالات اخرى مثل تحقيق الوحدة مع روسيا البيضاء والتي يرغب بها الشعبان، ولا تجبر الشعب الشيشاني المسلم على البقاء ضمن دولة لايريدها وظل يكافحها طوال قرنين من الزمان, بالطبع فان قرار ايقاف الحملة والتفاوض مع الشيشان صعب جدا ولكن هذا هو دور القيادات التي تريد مكانا في التاريخ فعليها اتخاذ القرارات الصعبة وتحمل مسؤولياتها التاريخية, السيد بوتين احفظ لروسيا مكانتها وقوتها وعلاقاتها مع الدول والشعوب الاسلامية واحفظ لروسيا دم ابنائها الغالية واوقف قتل المدنيين والنساء والشيوخ والاطفال، اوقف هذه المأساة واعد حساباتك فبقاء الشيشان تحت الحكم الروسي لن يحل مشاكل روسيا المستعصية بل يزيدها, السيد بوتين ان مشاكل روسيا تنبع من الحاجة الى اعادة تنظيم المجتمع داخليا: اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لتستطيع روسيا ان تبقى دولة عظمى ولن يثبت انتصار روسيا في الشيشان هذا لو انتصرت عظمة روسيا بل ستكتشف روسيا بعد نهاية الحملة الشيشانية اذا انتهت ان مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم تنته, السيد بوتين دع الشيشان يذهبون في طريقهم ويعودون جزءا من امتهم ولتذهب روسيا في طريقها الصحيح لاستعادة مكانتها الدولية.
|
|
|