عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مضت أنامل ذاكرتي تفتش عن شخصية مرموقة ذات حضور مدهش ومركز لامع، وصلاحيات نافذة بامكانها ان تسعفه وتحقق طلبه وتفتح درباً مفروشاً,, بالورود لمعاملته,,
هكذا هي الواسطة أو فيتامين واو كما يحلو للبعض تسميتها اختزالا لثقل الكلمة وحساسيتها فهي تأتي زاحفة على استحياء,,
وكم من إنسان يجهد نفسه ويغربل تفكيره ويمعن في البحث والتحري عن الرجل الملائم الذي يحل إشكالاته ويمرر قضيته تماما وكأنه يبحث عن الكلمة المطلوبة في شبكة كلمات متقاطعة !
لقد أولع كثيرون ببريق الواسطة وتعلقوا بأهداب هذه الكلمة ومضوا يتغنوا بألحانها ويعزفون على وترها المغري والمزعج، حتى صار لهذه الكلمة أبعاداً نفسية طاغية تسكن أعماق البعض وتجعله يعتقد ان معاملته لن تتم وطلبه لن يجاب وأوراقه لن تسير إلا على جسر المعرفة أو الواسطة التي تهب سجله عين القبول والرضا,,,
وتستحيل الواسطة إلى هاجس مؤرّق وملح في اذهان البعض عندما يحمل ملف معاملة أو ورقة طلب أو استمارة ترشيح او بيان مفاضلة,, ليظل صاحبنا في سعي حثيث وركض دائب منقبا عن معرفة خير تعينه في تحقيق مبتغاه ودعم طلبه والنظر إلى موضوعه نظرة خاصة جداً !
وتتخذ الواسطة مسميات عدة وتتكئ على مصطلحات متنوعة لعل أبرزها الكلمة الانيقة المألوفة: شفاعة حسنة ! وأية شفاعة تلك التي تتجاوز الضوابط الموضوعية المنصفة وتهبك حقا غير مشروع تسلبه الآخرين!
نعم، إن الواسطة تأتي لتغتال ورود الانصاف وتعصف بأزهار الحياد والعدل والمساواة وتحجب معيار الجدارة والأحقية,, إنها تزرغ مشاعر المرارة والحسرة في نفوس الباذلين تحت مظلة الحرمان والظلم,, إنما قد تلقي بالمخلصين في دائرة الانتظار المرّ أو خلف أسوار النسيان لكنها ولله الحمد ليست هكذا في مجتمعنا السعودي المحافظ العابق برائحة النظام والالتزام فكل صاحب حق ينال حقه وفق الاطر المتاحة والامكانات المتوفرة عبر خطوط عريضة لا مجال فيها للعبث او العواطف والاهواء,, مجتمعنا نقي نزيه يحتفي بمفردات العدل والانصاف والكفاءة ويحترم خطوات المنهج المرسوم ولايعترف بالدهاليز أو يقرُّ بالسراديب أو يتيح فرصة للتلاعب حتى وإن حدثت اخطاء أو حصلت تجاوزات يتم معالجتها بسرعة وحسم آثارها واعطاء كل ذي حق حقه,,,
وحكومتنا الرشيدة رعاها الله تعالى بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين وسمو النائب الثاني وفقهم الله تعالى تؤكد دائما لدوائرها الحكومية على ضرورة تيسير معاملات المواطنين وسرعة انجازها على الوجه الامثل وتوفير المناخ المريح لهم في مراجعاتهم المتنوعة وتذليل العقبات امامهم,,,
غير ان هناك كثيرين مازالوا يتفنون بالواسطة ويتوهمون أن أمورهم لن تتيسر ومعاملاتهم لن تقبل وطلباتهم لن تجاب إلا بدفعة من صديق أو قريب أو معرفة ولذلك لا تستغرب حين تلقى هؤلاء يجهدون انفسهم في كسب الصداقات المرموقة والابحار في علم العلاقات الانسانية في ظل حمى الواسطة التي تجتاح عقولهم وتسيطر على اذهانهم,,,
إنها العقدة المتأصلة في نفوس هؤلاء ذات الجذور العميقة الراسخة وربما رأينا ازدواجية محيرة في سلوك فئة من هؤلاء تذم الواسطة وتكيل لها ألفاظ التذمر والتضجر لتجاوزها حدود العدل والانصاف ثم نراها تبحث عن الواسطة عند أدنى حاجة!!
نعم للواسطة حضور لدينا لكنها على نطاق ضيق ذي اطار عابر هي لا تمثل ظاهرة او ترقى لمستوى العادة الشائعة,, وتظل في فضائنا الصافي حدثا طارئا ذا لون خافت وليست قانونا صارما ,,,
وكثيرا ما يطرق مسامعك سؤال جاهز ومعلب وحاد عند أصغر معاملة هل لديك واسطة؟؟!
سؤال ثقيل مشبع بالرتابة والضبابية والتقليدية!! فهل يمكن لنا ان نلغيه من قاموس حواراتنا اليومية لعدم جدواه؟ أم أن الواسطة قد تغدو موقفا لابد ان نلجأ إليه في منعطف حياتي ما,,,؟
سأترك ابواب السؤال مشرعة لأنكم قد تخالفونني عندما اقول: إن هؤلاء مازالوا يركضون خلف سراب الواسطة,, اطمئنوا لن تذوب طلباتكم ولن ترسب آمالكم او تتعقّد مشاريعكم بل ستجدون آذانا صاغية وقنوات مفتوحة بدون حرف الواو اللذيذ أعني واسطة ففي وطننا المعطاء لابد ان يزهو المواطن بتلك الرعاية الكريمة من لدن حكومته الرشيدة وفقها الله تعالى ليبقى دوره في رد الجميل والمشاركة في بناء حضارتنا المجيدة التي تشهد لها مظاهر التنمية المباركة في بلادنا الغالية,,,
وتحية عابقة لكل موظف يرى في الواسطة مصطلحا موغلا في الاجحاف امام معارفه حتى لو اهتزت علاقته بهم في سبيل تحقيق الضوابط العادلة,,
محمد بن عبدالعزيز الموسى
بريدة