الفرح يُصنع، أما الحزن فلا,,.
هي ليست فلسفة، وإنما هي نتيجة,,.
تأملوا معي مسيرة أي فرح عَبَرَ بكم، أو سوف يفعل؟ ألا تستعدُّون له؟!
والذي عَبَرَ ألم تفعلوا من أجله؟!,,, لكن الحزن يأتي فيتلبَّسكم وتحارون كيف جاء؟ ولماذا جاء؟! تذرفون له الدموع، لكنكم تستسلمون لمباغتته، يأتيكم في أي حال، وفي أي مكان، وعلى أية هيئة، ولاتتجمّلون له، ولاتتكلّفون من أجله، ولا تدارون أشياءكم حين يأتي، وتلتحمون بالكل، وتتفه أمامه كلُّ الأشياء ما تعاظم منها وماصغُر، ولاتخجلون من نقصٍ أمامه، ولاتعترفون بأي تقصير,,,، يشارككم أحزانكم القريب، والبعيد، والغني والفقير، وليس أمامه منكم إلا الرضاء وإلا الشعور بتفاهة كل شيء، وعدمية كل شيء، ولاشيئية أي شيء,,.
أما الفرح فتصنعون له وتتصنّعون,,.
تتغير حركتكم، وتُفَكُّ خزائنكم، وتُفتح أذهانكم،,,, تعدُّون له، وتخطِّطون من أجله، بدءاً بأصغر الأشياء، وانتهاءً إلى أكبرها، من دقيقها إلى جُلِّها,,,،
الفرح مقتبسٌ,,.
أما الحزن فتلقائيٌ,,.
الفرح مزخرفٌ،
أما الحزن فمجردٌ,,,،
الفرح ملوّنٌ،
أما الحزن فذو لون واحد,,,،
الفرح يتكبَّد من أجله الإنسان,,,،
أما الحزن فلا يفعل له شيئاً,,,،
حتى الصغار,,.
عندما يفرحون فإنهم لايفرحون بعفوية،
هل فكرتم في أفراحكم,,,؟!
عندما يأتي العيد، تغيِّرون مظاهركم,,, بيوتكم تتلمَّع، وتتبدَّل فيها مجالسكم، ثيابكم تُجدد، وأحذيتكم تُبدل، وربما لحق ذلك التبدّل في أنواع عطوركم، وأشياءكم الخاص منها والعام، لاترضون أن يقف أحدٌ على مواطن النَّقص فيما عندكم، ولاتتقبلون أن يشارككم غيركم عجزكم في أي شيء، عندما تفرحون تحرصون على أن تكونوا في أكمل وأجمل الهيئات,,,،
في أعراسكم تفرحون ولأنها أفراح فإنها بوابات المكابدة والمظاهرة,,,، فيها تتجلَّى قدراتكم وتتفاوت في صناعة الفرح,,,، تختلف في أفراحكم صناعاتكم، أكثرها جمالاً أكثرها صنعةً، أكثرها عناءً,,,، وأي واحد لايقبل لفرحه أن يبدو في غير الهيئة التي تجمِّله أمام الآخرين,,.
في مناسباتكم المختلفة: النجاح، والترقية، والفوز، والإنجاب، وسواها تفرحون ولكل منكم أسلوبه المختلف في صناعة فرحه والتعبير عنه,,.
وفي النهاية يتفق الجميع على أن الفرح يُصنع,,, وأنه بوابة لكفاح من نوع خاص جداً وتختلف خصوصيته من امرئ لآخر,,, لكنه في الواقع ليس تلقائياً، وليس عابراً، وليس يسيراً,,, هو مصدر من مصادر مكابدة الإنسان في الحياة,,,، لأن الإنسان هو الذي جعل من أفراحه تظاهرة صناعة، وليس تفاعلاً تلقائياً,,.
أما الحزن فيظل لم يحظ من الإنسان بهذه الاحتفالية,,, لذلك بقى نافذة إلى الإنسان في عفويته,,.
وفطرته,,.
وتلقائيته,,.
فإن أردت أن تعرف وجهك الطبيعي,,, فاخبره عندما يداهمك الحزن,,.
لكنَّكَ لن تعرف نفسكَ أبداً وأنت تصنع الفرح,,, ما لم تكن قادراً على استقباله عندما يأتي عابراً بك في ضحكة سعيدة، وعلاقة صادقة,,,، وسكينةِ اطمئنانٍ، وعندما تهمي الطبيعة أمامك بزخَّات ثرائها عندما يتحرَّك جناحُ عصفورٍ يطير وفي منقاره زادُه، أو تقطرُ الغيمة بزخاتٍ تنتعش لها أوراق الشَّجر في صيفٍ قائظٍ، أو يتحرك موجُ البحر في مدِّه كي يغسلَ أطراف الشَّواطىء من أدران البشر، أو في جزره وهو يأخذ عنهم أحلامهم إلى مدن الغيب الجميل,,.
أو عندما تشهق حناجرُ الأطفال وهي تُرسل إلى أطراف ألسنتهم بحروف تتعثَّر في مخارجها,,, وعندما يشعر كلُّ امرىء بفرحة الأم عندما تبتسم لأبنائها دون أن يكون هناك من يصنع لها فرحاً متلبساً، لأن الأم هي الكائن الوحيد الذي يعرف الفرح التلقائي,,, تماماً كما يعرفه المؤمن وهو يقف بين يدي ربه يبتهل فتهلُّ عليه الدموع في لحظة الخشوع,,, تلك لحظة فرح غير مصنوع,,.
أرأيتم أن التلقائية في الحزن هي ذاتها التلقائية في الفرح كلاهما يُدرُّ الدموع؟
إنه حزنُ تطهيرٍ,,.
كما هو فرحُ تطهيرٍ,,,؟
|