لاشك أن عنوان هذه الحلقة من يارا مليء بالجاذبية فمنذ سقوط الاتحاد السوفيتي والعرب ينتظرون سقوط أمريكا وكأن سقوط أحد الخصوم يعني سقوط الخصم الآخر بالتبعية ولا أعرف أي نظرية قامت عليها هذه النظرية سوى نظرية الأماني والأحلام التي تعتمدها الأنتلجنسيا العربية وأقصد بهذا المصطلح المثقفين والمؤدلجين فتلاحظ أن هناك كتابات كثيرة بدأت فعلا تعدد الأسباب المتوفرة ولله الحمد التي تهيىء لسقوط الولايات المتحدة وعندما تفتش في هذه الأسباب المزجاة لا تجد سببا واحداً تشارك الأمة العربية في تشكيله, فكاتب يعقد آماله على الصين، والثاني على بزوع نجم أوروبا، وآخر على التفسخ الداخلي، والرابع على خروج اليابان من القمقم, الى آخر الأسباب والآمال والترجي, فإذا أطلق طالبان النار على جموع بريئة في مطعم في تكساس انطلقت الآمال من عقالها وتوالت التحليلات التي ترى أن التفسخ ينخر الجسد الأمريكي, وإذا أعلن الاقتصاديون أن مقدار النمو في الصين يصل 10% قال المؤدلجون أن الصين قادمة لا محالة, وإذا أظهرت فرنسا واحدة من عنترياتها الفاضية على أمريكا هب المثقفون وقالوا بلسان واحد ان الوحدة الأوروبية ستحد بالتأكيد من جبروت الولايات المتحدة وتسلطها أما إذا أعلن رئيس الحزب الشيوعي المخلوع في روسيا تحديه ليلتسين وسلفه بوتين كتب المحلل العربي السياسي قائلا إنه من الواضح أن روسيا لن تقبل أن تكون تابعة لأمريكا فالوطنيون لن يسمحوا أبدا لاحظ أبدا بمهزلة يلتسين وأسلافه, فكتابنا يجوبون العالم يلتقطون الاشارات والوحي الذي يقربهم من زوال أمريكا ولا يحاولون أن يلقوا ولو نظرة واحدة على الوضع الأمريكي نفسه.
فالاصرار على النظرة القديمة للولايات المتحدة لم يسمح لنا أن نطور رؤيا جديدة تنسجم مع ما حدث في العالم, لم نقتنع بعد أن صراع الحرب الباردة وأيدولوجيات القرن العشرين قد انتهى الى الأبد, فانهيار الاتحاد السوفيتي أنهى في الواقع معه أمريكا القرن العشرين وأن أمريكا التي أمامنا هي أمريكا جديدة برؤيا جديدة للعالم لتتعامل معه من منطلق أمبراطورية عالمية قدرها أن تقود العالم, والعالم نفسه بدأ يدخل في هذه الامبراطورية بواقعية ليحقق المكاسب التي طرحتها التغيرات الجديدة.
مشكلتنا أننا أكثر من تحدث عن النظام العالمي الجديد ولكننا مع الأسف قرأناه بثقافة النظام العالمي القديم وأبجدياته, حتى أن كثيراً من المثقفين أعلن خيبة أمله في النظام العالمي الجديد لمجرد أنه لم ير فيه تغييرا في تركيبة البنى القديمة, أي أنه لم يشعر بالتعديلات على النظام القديم لأنه لم يفهم أن العالم الجديد ليس هو العالم القديم ولا صورة معدلة منه, وان العالم الذي صنعه الفلاسفة ماركس وسارتر الخ قد انتهى وانتقلنا الى العالم الذي يصنعه المهندسون, فمفهوم الحرية في السابق على سبيل المثال كان ببساطة يعني التحرر من الاستعمار ويعني التحرر من الحكومات الشاملة بينما أصبح الآن يتصل بالرفاهية فالآن على سبيل المثال تطرح أسئلة كان من المستحيل ان تطرح في السابق مثل: ما الذي استفاده الفقير الهندي من التحرر من الاستعمار ومن حق حرية التعبير الخ.
فالنظام العالمي الجديد ليس هو النظام العالمي القديم بعد أن أجري عليه التعديلات اللازمة وبالتالي لم تعد المطالب القديمة موجودة, فالمطالب في العالم الجديد تختلف جوهريا عن المطالب في العالم القديم وبالتالي فأمريكا الآن ليست هي أمريكا الحرب الباردة, فإذا القى الانسان نظرة على وجهه في المرآة ولاحظ أنه لم يتغير كثيرا فهذا لا يعني أن العالم لم يتغير.
لمراسلة الكاتب
Yara2222*hitmail.com