* يقولون ان عادات الشعوب في قيادة السيارات تُفصح عن نفسياتها ومكنونات شخصيتها.
وأنه من الممكن للزائر الغريب الى مدينة غريبة أن ينظر من نافذة سيارته أو فندقه لكي يكتشف الأنماط السلوكية والأخلاقية لسكان هذه المدينة أو تلك.
* والعبارة المختصرة لوصف هذه العلاقة بين الشخصية الثقافية ، والأتوموبيل تقول:
اروني كيف تقودون سياراتكم، أقل لكم من أنتم .
* ودون أن نخوض في نقاش جانبي حول الحكمة المكنونة في مثل هذه العبارات التي تحاول أن تقول أشياء كثيرة وكبيرة في نصف سطر أو أقل من ذلك إلا أنه لاشك أن المزاج الوطني ينعكس إلى حد كبير في الطريقة التي يتعامل بها الانسان مع هذا المخلوق الحديدي، كيف يتفاعل به ومعه في علاقاته مع البيئة المادية والانسانية من حوله، كما لو كانت دعاسة البنزين، ومقود السيارة مؤشرات لما نفكر فيه، أو نسعى إليه، أو نصدُر عنه.
* والعجيب وربما لا يكون عجيبا جدا أن شوارعنا وطرقاتنا غدت مسرحا لتقاليد العالم القيادية جميعها وعلى نحو يصعب أن نتعرف معه على عاداتنا القيادية الخاصة بنا.
* ورغم اننا قد نلاحظ بعض المثيرات المحلية الفريدة مثل التفحيط الشبابي أو الفلسفة البوهيمية في قيادة العراوي أو أسلوب الأنف الشامخ في الامساك بزمام الشاحنات الهادرة دون الاهتمام بالكتاكيت الحديدية الصغيرة إلا أن الشارع المحلي يواجهنا بعالم حافل ومتنوع من النكهات والفلسفات بحيث أصبح كرنفالا أتوموبيليا مثيرا.
* فالفهلوة المصرية في القيادة تمتزج بالبهارات والفلافل الهندية، والانضباطية الكورية تختلط بالفدائية الفلسطينية، والدونجوانية الفلبينية تموج في بحر التكشيرة التركية، والأناقة التجارية اللبنانية تنساب جنبا إلى جنب مع البساطة والتلقائية اليمنية، والاقتصاد السوري يموج في بحر من أسراف المراهقين المترفين، وغير المترفين، ونزعتهم الى تحطيم الغالي والثمين على أرصفة الشوارع وأعمدة الكهرباء، وجذوع النخيلات البريئة، وعظام المخلوقات الرصيفية المسالمة.
* وفي وسط ذلك كله تحاول أفواج من الفِرنجة أن تتأقلم وتندمج وتنسى جاهدة قواعد السير وآدابه في بلدانها.
* وأعتقد أنكم توافقونني أن هذا البرج البابلي للسواقة يجعل ضبطه وربطه وتنظيمه أمرا صعبا للغاية، حتى ولو كان مسؤولو المرور حفنة ,, خالصة من الأولياء والقديسين أصحاب الخطوة .
* فالمسألة الأوتوموبيلية ليست قضية مرورية بحتة، ولن تستطيع أقدر أنظمة المرور، وأدق أجهزة الرقابة وأكثر الأفراد تهذيبا أن يحل عقدتها أو يُحكم صمامها وان كان لذلك كله دور كبير في تخفيف حدتها والالتفاف حول بعض مآسيها.
* ونصيحتي لأولئك الذين تحترق أعصابهم خلف عجلات قيادة سياراتهم وهم يخوضون هذه الزفة العالمية,, أن يبعثوا بأعصابهم الى القطب الشمالي,, ويستمتعوا بالمهرجان العجيب الفريد من حولهم.
أنور عبدالمجيد الجبرتي