مفارقة تاريخية أن تعلن الرياض عاصمة ثقافية , ذلك لأن رياض الأمس ما كانت سوى رياض نخل وأثل وشيء من سدر قليل، حال معظم الجزيرة العربية، إن استثني منها الحجاز, كانت الجزيرة العربية في بيات طويل خارج دائرة الثقافة بمحيطها الإسلامي والعالمي منذ انكفأت على نفسها بانتقال العاصمة الإسلامية خارجها في ردة تاريخية، لم تخرج من ظلماتها إلا في قرنها الأخير بقيادة مؤسس المملكة العربية السعودية الملك العزيز، يرحمه الله، الذي تدين له بما تحقّق لها من إنجازات، تتوجها اليوم بتكليلها مركز إشعاع ثقافي,تلك كانت المفارقة، تعلن عن ميلاد جديد, ومن ثَمّ لابد أن يتطلّع كل مخلص لمستقبل أيام هذا المولود وهو يدرج على بساط من التحديات والعثرات، كيما يرتقي المرحلة التي تؤهّله لشرف الانتساب إلى المكانة التي أُعلنت ميلادا واحتفل به بموجبها، وهنا يأتي دور التنشئة ليصبح الحلم حقيقة معيشة.
الثقافة التي تنشدها عاصمة الثقافة اليوم، هي ثقافة عصرية جادة، لا تغرق في الثقافة بصورتها الدعائية أو الملهاويّة، وإنما تسير وفق استراتيجية استثمارية، بمفهوم الاستثمار الأنقى والأبقى، ينظر إلى عنصر العمل التنموي الأول، (الإنسان: رجلا كان أو امرأة)، فيجعله غاية إنفاقه وجهده، تعليما وتثقيفا وتدريبا.
وما دام الأمر كذلك فإن متطلبات عاصمة الثقافة الحقة تتمثل في قائمة من شروط: (الحرية المسؤولة، والانفتاح الواعي، والتفعيل الثقافي الشامل), تتمثّل في نقلة نوعية من ممارسة ثقافية تقليدية قائمة على أطروحات أدبية غارقة في غيبوبتها، أو احتفاليات مناسباتية ذاهبة في بهرجها الشعاري، أو آخذة بالأسهل والأكثر شعبية ورواجاً، مما يستثمر الفراغ أو ما يشبه الفراغ إلى ثقافة بالمفهوم الجوهريّ والحضاريّ للكلمة، تغيّر إذ تُصلح، لتنفي الخبث عن معدن الإنسان في الإنسان، عقلا وروحا وسلوكا.
ساعة نتواطأ على هذه الشروط الثقافية، لا حاجة بنا بعد إلى إعادة التفكير طويلا فيما ينقص واقعنا من مرافق ثقافية، يجب أن تتوفر على ميزتي: التنوع، والحركة الفاعلة المستمرة.
د, عبدالله الفَيفي
كلية الآداب
جامعة الملك سعود