الرؤيا مصدر معرفة حقيقية، وهي من المبشرات، وجزء من النبوة,, تأتي بشارة ونذارة، ورؤيا الانبياء عليهم الصلاة والسلام وحي,, من ذلك رؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام، ولقد صدق الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم الرؤيا، وعبر عليه الصلاة والسلام رؤيا نحر البقر باستشهاد أصحابه رضوان الله عليهم في أحد، وعبر السوارين الطائرين بمتنبئين كذابين,, وكان يوسف عليه السلام يعبر الرؤيا.
والرؤية اسم من رأى الثلاثي، لانه يرى بنفسه، والرؤيا اسم من الفعل الرباعي المبني للمجهول أُري ، لأن النائم مُثِّل له الواقع في نومه برموز بإيراء الله له بواسطة ملائكته,, أما الحلم فمن الشيطان.
ومن تجربة المعبرين الصادقة في تفسير الأحلام، ومن معاني وأحوال المسميات صنف العلماء الكتب في الأحلام والرؤى، ومنهم من جعلها على حروف المعجم، وبينوا دلالة الأعيان في الرؤى، فمن أكل مثلا فرثا أو عذرة فهو يأكل مالا حراما، ومن رأى فأرة تعبث بمنزله أو فراشه فسيكون فساد من بعض نسائه، فإن قتلها فقد وقي معرتها بأي سبب، وإن ذادها فغابت عنه فذلك توبتها، وغناء الذباب ربيع، والجمل عدو تنتصر عليه أو ينتصر عليك حسب العاقبة في رمز الحلم.
وأصبح تفسير الأحلام اليوم في بعض الصحف تمعلما يهدف إلى إدخال الطمأنينة على العقول والقلوب من غير أن يعلموا حال صاحب الحلم أو الرؤيا وعلاقاته وصلاحه وفساده,, إنما يوجهون مفردات الحلم أو الرؤيا سواء أكان صاحب الرؤيا أو الحلم صادقا أم كاذبا إلى المعنى المبهج للنفس,, وفي هذا الشهر المبارك رأيت تفسيرا لأم السعد في إحدى المجلات وجه المفردات على هذا النحو:
1 الجمل: شعور بثقل المسؤولية.
2 ذبح الجمل: قضاء على المسؤولية بمساعدة صديق قوي، ووصول إلى هدف جبار.
3 الخوف من الأحلام العكسية: احتمالات أشياء تقلق، ولكنها تتلاشى,, ولم تورد رمزا من الحلم على التلاشي.
4 التعلق بطائرة هليوكبتر شعور بأخطار.
وأكثر رموز الحلم تفسره أم السعد بمخاوف تتلاشى.
5 الكرم والبقع ونظافة الجلد تعني خلافا في الرأي ثم تواصلا، وارتباطا كبيرا.
وليس في إجابات أم السعد أي تعبير مكروه (1) .
قال أبو عبدالرحمن: وكل صفحات تفسير الأحلام على هذا النسق من توجيه الأحلام بدلالة جزئية رموز الحلم لا كليته إلى المعنى المناسب للحلم دون معرفة حقيقية بصاحب الحلم ذاتا ومجتمعا وعلاقات، وليس هذا بصحيح فإن أحد العابرين أول رؤيا مؤذن بقطع يده في سرقة استنادا على سورة يوسف، وأوَّل رؤيا مؤذن آخر بالحج استنادا على سورة الحج، وكان الاول طالحا، والثاني صالحا.
قال أبو عبدالرحمن: وقد مرت بي وبوالدي رحمنا الله رؤى كانت كفلق الصبح، فقد رأى والدي اثنين من رعيته يسبحان فواحد غرق، والآخر يتخبط إلى الشاطىء، وقد عبر لي هذه الرؤيا بعد وفاة والدتي رحمهما الله، وبين لي رمز السباحة.
وكانت لي اخت اسمها الجوهرة بلغت ثلاثة عشر عاما، فأصيبت بحبة، فحملتها والدتي على الحمار قبيل الفجر إلى القرائن ليكويها ابن علي رحمهم الله، فرأى الوالد في اغفاءته بعد صلاة الفجر ان والده عبدالرحمن يقول له: هات العمود,, فأولها بوفاتها وقد عادت بها الوالدة ميتة قبيل الظهيرة، وقد مات لهما أربعة عشر ولدا، ومات للوالدة أخ لي اسمه موسى من غير أبي.
ورأى الوالد أنني على جمل صعب وأنا أوجهه بعُصَية على نحول جسم، وصفرة لون، ورق لي رحمه الله كثيرا،، فأولت ذلك فيما بعد بتقحمي أمورا صعبة من كثرة الرعية، والصراعات العلمية، وقوة ما يرفع ذكري من علم على ضعف في الجسم والعشيرة.
ورأيت في النوم بعد صلاة الظهيرة سنا يسقط بحضني من فمي، وإذا بصفته كالمفتاح الخشبي للأبواب القديمة فآلمني الحلم، وكتمته، ويلوب بخاطري أنه فقد حبيب، ثم في الغد نعي إلي أعز أصدقائي أبو محمد عبدالله بن عبدالكريم بن معجل رحمه الله، وهو رفيقي في الأسفار.
وفي إحدى زياراتي لشقراء هربا من بعض الهموم رأيت أبا زوجتي الأولى رحمه الله يطردني حتى دخلت باب دار من خلفه رجل أعمى وقور قفل الباب وحال بيني وبينه، فآلمتني الرؤيا,, ثم وقع الطلاق في أشهر عن طريق قاض وقور ضرير أشار علي بذلك من أول وهلة.
وأردت مغادرة الرياض إلى بريدة لحضور جلسة عند سماحة الشيخ الخريصي قبل إجازة عيد ذي الحجة وكنت محاميا لوزارة الشؤون البلدية والقروية ، وكان والدي عمر رحمه الله في شدة المرض، فقال لي: لا تتأخر، ولا تسافر حتى تشتري الضحايا وتكلف من أصدقائك من يشتري لها علفا ويراعيها، ففعلت,, وبعد سفري بيومين وتناولي للغداء عند الاستاذ عبدالله بن عبدالمحسن السيف اغفيت في نومة القيلولة فرأيت والدي رحمه الله عليه إزار مضجعا الخروف الأكبر ومعه السكين وهو يقول: بسم الله والله أكبر اللهم إن هذا منك ولك، اللهم إنه عن,, إلخ فقلت: الله يهديك يا والدي: لو قلت هذا الكلام وهي قائمة، فإذا سدحتها فاذبحها بسرعة حتى لا تتعذب.
فقال الوالد: بنت تعلَّم أمها الزحير,, هه,, ثم رمى بالسكين فنشبت في الجدار، وهرب الخروف، فاخذت السكين ولحقت الخروف وذبحته,, مع أنني لا أحسن ذبح عصفور,, فآلمني الحلم حتى استغرب الزملاء شرود ذهني,, وبعد صلاة العشاء مساء الخميس 8/12/1398ه كنت سامرا عند أبي سليمان المشاري رحمه الله بصفراء بريدة، فإذا بالشيخ ناصر السليمان العمري حفظه الله يرجف الباب بعنف ويقول: أين أنت يا رجل أهلك من البارحة يبحثون عنك، ووالدك يقول: أين محمد,, أرسلوا لي محمد,, وهو الآن في المستشفى فلا تجلس دقيقة، وأرسلني بسيارته وسائقه فأدركت أبي قد نقل من المستشفى المركزي بالشميسي إلى مستشفى العيون بالناصرية وذلك قبل صلاة الفجر، والكمامات في فمه، وقلت له: أنا ابنك محمد,, فقال: وش محمد؟,, ولم ينطق غيرها، وظل في النزع رحمه الله حتى لفظ أنفاسه الساعة الثامنة، فكان تأويل رؤياي أنني سأذبح ضحاياه بعد أن فاتته,, وعادتي الى هذه اللحظة ان أثوِّب الأضحية وهي قائمة، ثم آمر الجزار بذبحها منذ إضجاعها فورا بعد أن يحد شفرته قبل إخراجها، وأتعهد قطع المريىء والقصبة الهوائية من الحلقوم، أو يكون منها شيىء مع الرأس على الأقل، وأمنعه من كسر النخاع حتى تبرد، وأشترط عليه الطهارة، ولا أتركه يذبح الثانية إلا بعد تغييب الأولى.
ومنذ ست سنوات تقريبا كنت في شهر رمضان المبارك في الشامية بمكة المكرمة فرأيت مرارا أن معي حبلا أمسكت به من طرفيه فأرفعه إلى ناصيتي ثم ألقيه وأطمره قبل أن يصل إلى الأرض وفي الثالثة أو الرابعة أطير في الآفاق مضطجعا في منتهى الراحة,, وفي إحدى المرات حاولت فعجزت عن الطيران,, وأظن أنني حاولت بعد ذلك فطرت، فآلمتني الرؤيا وعبرت الحبل بالأسباب، والطيران بالتحرك والتجوال,, وبعد أويمات كان انسداد الشريان التاجي وقد وقاني الله الجلطة، وأجريت القسطرة مرات، والبالون مرة واحدة، فانحبست عن الأسفار فترة، ثم صرت جوّاب آفاق بحمد الله.
والرؤيا الصادقة رموز لجزئيات من الواقع، ويروى أن ابن سيرين رحمه الله ياكل ثريدا فجاءته عجوز قلقة من رؤيا رأتها، فقصت عليه انها رأت القمر يدخل في بنات نعش,, فرمى اللقمة في القصعة، وقال : نعت إليَّ نفسي,, أموت بعد سبع ليال,, أوَّل القمر بنفسه حيث لم يبق من أقرانه غيره، وأوَّل بنات نعش بسبع ليال.
وما يراه النائم على ثلاثة أنحاء:
أ رؤيا مرتبة لأشياء مرت به في الواقع بفصها ونصها، أو ملفقة من وقائع مرت به، أو قريبة الشبه مما مر به، فهذا حديث نفس، واستجرار لما كان يؤلمه أو يفرحه في أعماقه.
ب رؤيا مختلطة غير مرتبة ولا معقولة,, وربما كانت مروعة، فهذا حلم من الشيطان وترويع.
ج والرؤيا الصادقة المرتبة ذات الرموز الدالة,, وعليه أن ينقلب على جنبه الأمين، ويستعيذ بالله، ولا يعبرها إلا بخير,, وهي بشارة للمؤمن، وإنذار للعاصي.
قال الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله: والقول الصحيح في الرؤيا هو أنها أنواع، فمنها: ما يكون من قبل الشيطان، وهو ما كان من الأضغاث والتخليط الذي لا ينضبط,, ومنها ما يكون من حديث النفس، وهو ما يشتغل به المرء في اليقظة فيراه في النوم: من خوف عَدُوٍّ، أو لقاء حبيب، أو خلاص من خوف، أو نحو ذلك,, ومنها ما يكون من قبل الطبع كرؤية من غلب عليه الدم للانوار والزهور والخمرة والسرور، ورؤية من غلبت عليه الصفراء للنيران، ورؤية صاحب البلغم للثلوج والمياه، وكرؤية من غلبت عليه السوداء للكهوف وللظلم والمخاوف,, ومنها ما يريه الله عز وجل نفس الحالم إذا صفت من اكدار الجسد، وخلصت من الأفكار الفاسدة، فيشرف الله عز وجل به على كثير من المغيبات التي لم تأت بعد,, وعلى قدر تفاضل النفس في النقاء والصفاء يكون تفاضل ما تراه في الصدق، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لَم يَبقَ بَعدَه مِنَ النُّبوة إلا جُزء من ستَّة وأربعين جزءا من النُّبوة إلى جزء مِن سَبعين جزءا من النُّبُوة,, وهذا نص جلي على ما ذكرنا من تفاضلها في الصدق والوضوح والصفاء من كل تخليط,, وقد تُخرَّج هذه النسب والأقسام على انه عليه السلام إنما أراد بذلك رؤيا الأنبياء عليهم السلام، فمنهم من رؤياه جزء من ستة وأربعين جزءا من أجزاء نبوته وخصائصه وفضائله، ومنهم من رؤياه جزء من سبعين جزءا من نبوته وخصائصه وفضائله,, وهذا هو الأظهر والله أعلم، ويكون خارجا على مقتضى ألفاظ الحديث بلا تأويل يتكلف,, وأما رؤيا غير الأنبياء فقد تكذب وقد تصدق، إلا أنه لا يقطع على صحة شيء منه إلا بعد ظهور صحته حاشى رؤيا الأنبياء فإنها كلها وحي مقطوع على صحته كرؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام,, ولو رأى ذلك غير نبي في الرؤيا فأنفذه في اليقظة لكان فاسقا عابثا، مجنونا ذاهب التمييز بلا شك، وقد تصدق رؤيا الكافر ولا تكون حينئذ جزءا من النبوة ولا مبشرات، ولكن إنذارا له أو لغيره ووعظا وبالله تعالى التوفيق (2) .
قال أبو عبدالرحمن: تأويل أبي محمد رحمه الله غير صحيح، بل المراد رؤيا غير الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه وسلم، لانه عليه الصلاة والسلام قال: لم يبق بعدي,, ولا أنبياء بعده عليه الصلاة والسلام، فالمراد غيرهم,, ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا ,, فهذا عموم لجنس المؤمن، وليس عن خصوص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام,, ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ورؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من ناحية الجنس نبوة وليست جزء نبوة.
من أتى شيئا من هذه القاذورات
فليستتر بستر الله عليه:
في مقدمتي لكتابي تباريح التباريح ذكرت شيئا من واقع السيرة الذاتية، وهمومها، وشرطها لدى المسلم: بألا يكذب بتزكية نفسه، وبألا يتبجح بإشاعة سيئاته، وفضح ما ستره الله عليه.
وأقرأ في شرقنا العربي والإسلامي سيرا كاعترافات النصارى خلعت برقع الحياء، وتبجحت بسيئات الفعل والقول وكأن بلادنا لا ترد يد لامس!!,, وبيدي اليوم كتاب أيام مع النجوم لرمزي صوفيا تحدث فيه عن المطربة شادية فذكر زواجها بعماد حمدي، وصداقتها لفريد الأطرش، وسكنهما في عمارته معا، ورحيل عماد للفندق بملابسه مطلقا، ومواساة المؤلف له بالمنادمة على كأس الكونياك، وتصريح شادية بأن الصداقة أطول عمرا من الحب والزواج!!,, ثم تدرجها في الزواج من عماد إلى عزيز فتحي الى الصحفي مصطفى أمين إلى صلاح ذو الفقار.
قال أبو عبدالرحمن: هل هان على رقابة المطبوعات في البلاد العربية مشاعر الأمة بفسح وإجازة اعترافات تنشر الخنا والديوثة وتستسهل التصريح بارتكاب المحرمات.
وقد علمت أن المطربة المذكورة شبه مجاورة للحرمين الشريفين متحجبة محافظة على الصلوات والشعائر، وربك تواب على من تاب.
والكتاب المذكور مليء بفضائح خلقية,, وإذا كانت حياة جمهور أهل الفن مليئة بالرذيلة، ولا يؤذيهم مثل هذا التبجح: فإن مشاعر الامة فوق ذلك.
وهذا الكتاب الرذل خير رد على صحفية عجوز ماجنة استنكفت أن تعترف بثقافة خليجية متحجبة!!,, فهنيئا للخليجية حجابها، ولتفخر العجوز الماجنة بأمثال ذكريات رمزي صوفيا، والله المستعان.
***
(1) سيدتي عدد شعبان عام 1420ه.
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل: 3/189 190.