خدمة المواطن,, شرف الأمير ومحور إمارته حماد بن حامد السالمي |
* في مساء اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك، شهدت العاصمة المقدسة استقبال خادم الحرمين الشريفين لسمو وزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز، وامراء المناطق في المملكة، وكذلك انعقاد المؤتمر السنوي لأمراء المناطق الذي ترأسه سمو وزير الداخلية.
* ومن اللافت في هذا اللقاء الذي تم في الديوان الملكي في قصر الصفا، التوجيه السامي الضافي من خادم الحرمين الشريفين رعاه الله، والموجه لامراء المناطق والذي دار حول رؤية قيادية حكيمة، جاءت في اطار من حرص القيادة العليا في البلاد على شعبها ومواطنيها، مكللة بالحب الذي عهدناه دائما يربط بين الحاكم والمحكوم في المملكة.
* لقد جاءت توجيهات الملك المفدى على محورين رئيسين في غاية الوضوح، وهما يصبان في مصلحة المواطن وهمومه وشؤونه:
اولا: اوصى حفظه الله بتقوى الله في السر والعلن وتقوى الله هي ركيزة الحكم التي قامت عليها الدولة الاسلامية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لانه بدون التقوى لا يتحقق العدل، وبدون العدل لا يسود الحاكم ولا يرضى المحكوم, قال علي بن ابي طالب كرم الله وجهه: العدل يضع الامور في مواضعها، والجور يخرجها من جهتها، والعدل سائس عام، والجور عارض خاص، فالعدل اشرفهما وافضلهما .
,, وهذا هو النهج الذي اختطه الملك عبدالعزيز رحمه الله في حياته، ورسمه لابنائه الحكام من بعده، والملك المفدى؛ وهو يوصي اخوانه وابناءه من امراء المناطق؛ انما يذكرهم بهذا النهج القائم على امر الله وعدالته التي امر بها بين الناس، وهذه ليست توصية فقط من ملك البلاد لأمراء المناطق، ولكنها امانة ومسؤولية يلقيها على عواتقهم.
ثانيا: ومما اوصى به الملك المفدى في هذا اللقاء، السهر على راحة المواطنين، وتلمس احتياجاتهم، والعمل على قضائها بما يحقق المزيد من الرخاء , ان الامارات في المناطق مسؤولة مسؤولية مباشرة عن كافة المواطنين الكبير منهم والصغير، وامراء المناطق مؤتمنون على ابناء الشعب، ودورهم لا يتوقف عند حفظ الامن وادارة المعاملات والاوراق، ولكنه دور لصيق بحياة الناس واهتماماتهم واسعادهم في مدنهم وقراهم وهجرهم وفي حلهم وترحالهم، والخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ضرب اصدق واروع مثال في القرب من رعيته وخدمتهم ورعايتهم، ولم يتحرج من حمل كيس الدقيق على ظهره وايصاله الى ام فقيرة تطبخ لاطفالها الجياع حجارة في ماء ليظنوه طعاما حتى يغلبهم النوم، ثم يقوم هذا الخليفة الرحيم، بطبخ الطعام بنفسه واطعام الاطفال الجياع, وامراؤنا مطالبون بتمثل هذا السلوك الرفيع في الحكم، وبالتعبير عن مثل هذا الشعور النبيل من الحاكم نحو المحكوم، وما اكثر الطرق والسبل التي يمكن طرقها في مثل هذا في زماننا هذا.
ان احتياجات الناس ليست بالضرورة اليوم مما يُقتات به، ولكنها تطورت مع تطور السبل في الحياة العامة، مثل الحاجة للعلم والتمدن والصحة والسلامة العامة والخاصة، وما تزخر به الدوائر والمصالح الحكومية من معاملات تحمل من الدلالات على تغير المطالب والحاجات الشيء الكثير، فالانسان يحتاج الى العدل والمساواة امام الحاكم المباشر في منطقته اكثر من حاجته الى الخبز، ويحتاج الى البت في قضية له امام المحكمة اكثر من حاجته الى الماء، ويحتاج الى الاحساس بقيمته امام بعض الموظفين الذين لا يعبأون به، ولا يهتمون بمراجعاته، وقد يسخرون منه، ويحتاج الى حل كثير من الاشكاليات التي برزت في السنوات الاخيرة، ومنها انحسار التوظيف امام الخريجين، وقلة فرص العمل، وهموم التعليم للبنين والبنات بعد الثانوية العامة، الى غير ذلك مما اراد خادم الحرمين حفظه الله تنبيه امراء المناطق اليه في جمل بسيطة ولغة مباشرة، ولكنها تحمل من المعاني الشيء الكثير والكبير,
يقول الخليفة الرابع علي بن ابي طالب رضى الله عنه: افضل الولاة، من بقي بالعدل ذكره، واستمده من يأتي بعده ويقول رضى الله عنه ايضا: اذا صلحت العين، صلحت السواقي .
* وهذا التوجيه السامي من خادم الحرمين، ترجمه سمو وزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز في اجتماع امراء المناطق، وفي المؤتمر الصحفي الذي تلا هذا الاجتماع، فقد ركز الامير نايف على جهود امراء المناطق وانها: لما فيه مصلحة المواطنين، والتجاوب مع متطلباتهم، وتحقيق ما فيه رفاهيتهم وامنهم واستقرارهم , وهذا هو المؤمل والمطلوب من كافة امراء المناطق، ان يكونوا امناء على كيان يقوم في اساسه على ابنائه من كافة المواطنين في كل جهاته، وان يباشروا الصلاحيات المعطاة لهم في مناطقهم بكل شجاعة وعزم وحسم.
* وكان الامير نايف صريحا في طرحه وهو يتحدث عن هذا الاجتماع السنوي فأوضح: ان الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين في مختلف الجوانب التنموية هو من مهام امراء المناطق، ويدخل في صلب مناقشاتهم التي تهتم بشؤون المواطنين واستقرارهم وعوامل امنهم.
* وكنت سعيدا بما اعلنه الامير نايف بن عبدالعزيز من امر مناقشة امراء المناطق لقضية الاعداد المتزايدة لخريجي الثانوية العامة، واهمية دراسة سبل ايجاد فرص الدراسة والتدريب لهم, وموضوع القبول في الجامعات وتوفير فرص عمل للشباب, وان هذا الامر كما قال الامير نايف يحظى باهتمام القيادة الرشيدة, فمواصلة التعليم التدريبي والتخصصي العلمي منه والفني بعد التعليم العام، يشكل هماً عظيما، وارقا كبيرا.
ويرتبط بهذا الهم هم آخر، هو فرص التوظيف والعمل التي تكاد تكون منعدمة، ووضع امراء المناطق في هذا الجو، لا يخرجهم من دائرة المسؤولية، بل يذكرهم بواجبهم في البحث والمساهمة في ايجاد حلول لقضايا ومعضلات تواجه المواطنين في مناطقهم، وليس كما رسخ في الاذهان بأن مسؤولية الامير والامارة هي مسؤولية امنية، لان نظام المناطق يعطي للحاكم الاداري صلاحيات واسعة تجعله ينوب عن القيادة، بل ويمثلها في الحل والربط، ومن الحل والربط، البحث في قضايا المواطنين التي تشكل في كثير من الاحيان تحديات عصيبة، وقد تنعكس سلبا على المناحي السلوكية والمعيشية والامنية.
* ومما اسعدني في شهر رمضان المبارك؛ ورمضان شهر خير وبركة؛ ان اسمع اخبارا مفرحة عن مبادرات وزيارات مفاجئة وتنكرية، يقوم بها الامير مقرن بن عبدالعزيز امير منطقة المدينة المنورة، تتناول كافة القضايا موضوع الشكوى عند اهل المدينة، وتطال كافة القطاعات الخدمية, فشكرا له على هذا النشاط الذي نرجو ان يحتذى به من كافة امراء المناطق، وان نجد منهم من يزور ادارات الشرطة واقسامها، ليبحث في معاملات مكدسة لقضايا تهم الوف الناس، واخرى لسرقات وغيرها تقيد ضد مجهول, وان نراهم في زيارات تنكرية لبعض المحاكم، ليروا بأم اعينهم كيف يترك آلاف الناس اعمالهم ووظائفهم وبيوتهم ويتزاحمون على ابواب بعض القضاة والموظفين في بعض المحاكم، الذي منهم من يتأخر عن موعد الحضور الى مكتبه حتى الظهر، ومنهم من يخرج للصلاة قبل وقتها بساعة ثم لا يعود، ولو عاد، عاد متأخرا بوقت طويل.
ومنهم من لو بادرته بالسلام لما وجدت منه غير الصمت ونظرات الازدراء والاحتقار، ولو لم يعجبه شكلك، او سمع منك غير ما يحب ويهوى، لأمر بسجنك، ولهذا فان بعض اصحاب الحقوق يزهد في المطالبة رغبة في السلامة، او خوفا من التطويل والمماطلة وسماع ما يكره,
ونتيجة لهذا ومثله، نجد كثيرا من الناس يتجه شاكيا متظلما الى جهات عليا، وكثرت هذه الشكاوي والمطالبات حتى اصبحت الشغل الشاغل لمسؤولين ووزراء وجهات كثيرة، وهذه الظاهرة فندها سمو الامير نايف في المؤتمر الصحفي الذي تلا الاجتماع فقال: ان المواطن اذا وجد انجازا لن يلجأ الى جهة اخرى اعلى, ثم اوضح بصراحة ووضوح: الى انه قد يكون هناك تقصير من بعض الجهات، لكن يجب ان يعرف كل مسؤول مهما كانت مرتبته سواء كان عسكريا او مدنيا اننا نحن جميعا كمسؤولين في الدولة وظيفتنا خدمة المواطن.
* ان هذه الرؤية الناضجة للوظيفة، تجسد القاعدة التي تقول: بأن الموظف للوظيفة وليس الوظيفة للموظف، ولهذا اثر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه على ما اظن قوله: طالب الولاية لا يُعطاها, لماذا؟ لان من يحرص على الوظيفة هو في غالب الامر، يسعى لخدمة نفسه اولا وليس الرعية، وكان بعض القضاة الزاهدين في صدر الاسلام وما بعده، يأبون تولي القضاء خشية الوقوع في المحظور من ظلم الناس وانتقاصهم, فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اذا ابتلي احدكم بقضاء، فليتق الله في مجلسه، وفي لحظه، وفي اشارته ويقول: من ولي القضاء، او جعل قاضيا بين الناس، فقد ذبح بغير سكين , ويقول عليه الصلاة والسلام: (ليأتين على القاضي العادل يوم القيامة ساعة يتمنى انه لم يقض بين اثنين في ثمرة), هذا القاضي العادل، فما بالك بالقاضي غير العادل! ولكن في زماننا هذا نجد من يبذل الغالي والرخيص للحصول على الوظيفة في القضاء او في غيرها، ثم اذا وصلها وحصلها خدم نفسه واهله والاقربين، واهمل واجب الوظيفة الذي هو من حقوق العباد عليه.
* ان في كلمة سمو وزير الداخلية المنشورة صبيحة يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر رمضان الفارط، اضاءات مهمة لمن اراد ان يكون في مستوى ما القي عليه من مسؤولية لخدمة البلاد والعباد، سواء من الامراء او المحافظين او من دنا منهم الى اصغر موظف في الدولة، وحتى يعرف الجميع ان القيادات العليا في الدولة تهتم بالكبير والصغير من قضايا المواطنين، وتتابع همومهم اليومية، وتحقق في شكاواهم وتظلماتهم، فانه لا احد فوق القانون الذي يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم مها علت مرتبته.
* ان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)، ويقول عليه افضل الصلاة والتسليم: (ان المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم واهليهم وما ولوا).
ونسأل الله لكافة الامراء والولاة في هذه البلاد، العون والتوفيق، وان يكونوا عند حسن الظن بهم من القيادة العليا ومن كافة المواطنين اجمعين, انه نعم المولى ونعم المجيب.
|
|
|