لا مشكلة فوزية عبدالله أبوخالد |
كثيراً ما تواجهني مواقف في جهات عدة ترفض الاعتراف بالمشاكل وتصرخ ان ليس هناك من مشاكل,, ولا أملك في هذه الحالة إلا ان أشفق على أمثال هؤلاء, ان المساكين لايعرفون أن لديهم مشاكل, مع ان اكبر مشكلة هي ان لا تكون هناك مشكلة, هذا ما قاله بروفسور السربون جاك بيرك عن الكيفية التي يتم بها تعقيد بعض المشاكل بالسكوت عليها او التغاضي عنها او نكرانها جملة وتفصيلاً، وذلك بالطبع في فرنسا بعيداً عنا، اما عندنا فليس لدينا مشاكل اصلاً,
تذكرت هذا الكلام الفلسفي الساذج وقد اتاحت لي لقاءات العيد التقاط عشرات الصور الاشكالية الشائكة من أحاديث المجالس عما يدور في قطاعات مختلفة من المجتمع مما قد لايكون في دائرة احتكاكي اليومي داخل الابراج العاجية أو الاسوار الأسمنتية للكتابة من منازل مشغولة عن صخب الشارع بعلياء العزلة.
وهذه بعض تلك الصور أعرضها هنا دون ان أعرضها لأي من زخرف القول او معالجات التحميض بأحماض الحبر, مع ملاحظة ان كل ما ارجوه من عرض هذه الصور هو الأجر من الله أولاً, أما ثانيا وثالثاً وعاشراً فهو ان نفكر معاً في ايجاد الجهات والآليات الحقوقية التي يمكن ان يتجه اليها المواطن لتنصفه وتساعده في حل تلك الاشكاليات اليومية الصغيرة التي ليس منها بد في أي مجتمع بدل تركها للتراكم ومفاقمة الشعور بالعجز او الغبن بما في هذه المشاعر السالبة من خطورة كامنة على سلامة النسيج الاجتماعي, ولنرفع الستار عن مشاهد الصور:
* عندما يكتشف المواطن ان نفس السلعة التجارية بنفس المواصفات ومن نفس المنشأ والتي تمتعت بنفس الاعفاء من الرسوم الجمركية تباع بأسعار مضاعفة من متجر لمتجر, فهل هناك من يلجأ اليه المواطن في هذه الحالة لينصفه من هذا الغلاء غير المبرر، أم أن عليه أن يهز كتفيه بلا مبالاة وعجز ويفترض أن لا مشكلة فيما قرون الثور تطل من بزبوز الإبريق وتنطح احتياجاته البسيطة.
* عندما تنال بعض النساء على أيدي بعض الأزواج أو بعض المحارم ضرباً مبرحاً يؤدي ببعضهن الىنزيف حاد أو تقرحات وجدانية لاتندمل فلمن يلجأن فيما لو أصر من يفترض أنهم عقلاء الاسرة وكبارها ان لا مشكلة .
* عندما يعرف المريض في مستشفى أهلي أن الطبيب طلب له اشعة لموضع في جسده غير الذي يشكو منه وبعد اتضاح الخطأ واجراء اشعة اخرى تصر ادارة المستشفى أن يدفع المريض ثمن الأشعتين,, بدل ان تعوضه عن الضرر الاشعاعي الزائد الذي لحق به دون داع كما في دول العالم الأخرى, فلمن يلجأ المواطن؟
* عندما يعطي الطبيب في مستشفى حكومي ابرة بنسلين لمريضه دون أن يسأله أو يجري له اختبار حساسية, فلمن يلجأ المواطن أو ورثة المواطن؟
* عندما يلحق ضرر على متن رحلة جوية براكب من جراء خطأ تسببت به الخطوط لمن يلجأ المواطن إذا لم يقنعه خطاب الرد على شكواه باعتذار بارد وبأن لا مشكلة .
* عندما يأخذ ناشر مخطوطة كتاب من كاتب كتب كل حرف فيه بضوء عينيه ويقوم الناشر بهدر جميع حقوق الكاتب ومواصفات النشر المتعارف عليها لمن يلجأ المواطن؟
* عندما يصرخ شرطي مرور أو غيره في المواطن صراخاً مرعباً ومحرجاً في وسط الجمهور لمجرد الاشتباه في مخالفة لم تقع فهل للمواطن الحق في رد اعتبار أم ليس للمتضرر الا حب الخشوم والتوسل لاتقاء ضرر قد يكون أكبر.
* عندما تتكرر عياناً بياناً وعلى رؤوس الاشهاد كتابة بعض البحوث لطلاب وطالبات الجامعة من مكاتب خدمات الطلاب فلمن تلجأ حرمة العلم وهيبته.
* عندما يتقدم المواطن بعرض حال أو بالأحرى بكشف حال لأوضاعه الأسرية التي تحت خط الفقر في الصحف أو الى الجهات المسؤولة ولايجد من يعيره أدنى اهتمام فلمن يلجأ المواطن.
*عندما يكرر بعض المحاضرون وأعضاء هيئة التدريس محاضراتهم سنة بعد سنة بعد سنة بنفس الاساليب المضجرة الرتيبة بنفس المراجع القديمة وبنفس المفردات الركيكة لمن يلجأ الطلاب؟
* عندما لايفي رجل بحقوق النفقة الزوجية أو الأبوية التي قررتها عليه المحكمة لمن تلجأ المواطنة؟
* عندما يجد موظف قراراً تعسفياً من مرؤوسيه لمن يلجأ الموظف المغلوب على أمره؟
* عندما يغث بعض الكتاب عموم القراء بكتابات الاستجداء والمجاملة والتأكيد على ان لا مشكلة دون وجه حق لمن يلجأ القراء؟
***
حقوق أدبية، حقوق تجارية، حقوق زوجية، حقوق صحية، حقوق بيئية، حقوق إرثية، حقوق تعليمية، حقوق وظيفية، وحقوق مدنية واقتصادية وثقافية, حقوق وطنية للمواطنين بعضهم على بعض ولهم جميعاً على مؤسسات الخدمات العامة والمؤسسات المدنية الأخرى, حقوق للمواطن على الدولة وحقوق للدولة على المواطن يجري التساهل فيها تحت شعار لا مشكلة فلماذا؟
استحضرت هذه الصور في ذهني ذلك الموضوع الهام الذي طرحته مجلة اليمامة قبل شهرين على ما أذكر عن مهنة المحاماة والشكوك والتحفظات التي تحيط بتلك المهنة، وإذا كان ذلك التحقيق قد ركز على مسألة ضرورة تجديد الانظمة المتعلقة بمهنة المحاماة وهي انظمة قديمة صدرت العام 1372ه، بما يتناسب وتزايد أهمية هذه المهنة في هذا العصر، فان للموضوع على أهميته في علاقته بموضوعي هذا بعداً آخر وهو غياب الوعي الحقوقي لدينا كمواطنين من جهة وغياب أو على الأقل غموض وعدم اتضاح هوية الجهات والمؤسسات الحقوقية التي يمكن ان تكون المرجع الحقوقي لكل مسألة من المسائل الحقوقية حسب نوعها وجهة اختصاصها, هذا بالاضافة الى عدم وضوح الآليات والضمانات والضوابط والقوانين التي تحكم المسائل الحقوقية المختلفة.
لقد كنا كما يردد معظم الكتاب كاكليشيات لازمة لتسويغ المطالب الاجتماعية، مجتمعاً بسيطاً الى وقت قريب يمكن أن يحل مشاكله اليومية في اطار العلاقات الاجتماعية القرابية المباشرة، أما وقد شهد مجتمعنا كل هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية فلا بد من مرجعيات ومؤسسات حقوقية تقدم الاستشارات القانونية والشرعية، تضبط صيغ العقود بصيغ قانونية واضحة وملزمة للأطراف المعنية وتساعد السلطات القضائية على إحقاق الحقوق الصغيرة والكبيرة معاً, ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|
|
|