بيننا كلمة نحن والعولمة 4 د , ثريا العريّض |
في حين ان كثيرين من ذوي التوجهات المستقبلية ينادون بسرعة التخطيط للدخول في عصر العولمة بدواعي النمو الاقتصادي وباتخاذ الخطى المطلوبة لمواكبة التطورات السريعة في هذا الاتجاه، من ذلك مثلا تعميم تعليم اللغة الانجليزية من مرحلة الروضة واستخدام الكمبيوتر والانترنت على نطاق واسع في مؤسسات التعليم والعمل والخدمات، والتوجه العالمي فيما يختص بالتجارة وتعاملات البنوك والشركات يظل كثيرون من الجانب المعارض يرون في العولمة اول انذارات فقدان الذات والهوية والخضوع لقولبة الوعي بتأثيرات خارجية المصدر، وانشغال الابداع المحلي عن خصوصياته، بالاندماج في صيغة تتوجه لمتلق في ساحة عالمية الافق، وانه بسبب ذلك فان الشخصية المحلية والابداع المحلي الاهتمامات والنبرة والنكهة في طريقهما الى الانقراض.
هنا تأتي محنة التساؤل عن امكانية تحقيق البروز الاقتصادي والاحتفاظ بجوهر الهوية الفردية في مواجهة القوى الاكثر تمكنا اقتصاديا وتقنيا وعلميا, اذن لا شك انه من عدم النضج ان يصر اي مجتمع على رفض التقنية الحديثة لاي مبرر، كما يفعل مجتمع المورمون في امريكا مثلا,, فهو المهدد بالتخلف في النهاية.
اما الابداع الادبي والفني فيحمل تأثيرات مؤثرات اخرى خارج الماديات, السؤال هنا عن مستقبل الخصوصية والتمايز في الثقافات القومية والابداع الفني والادبي النابع من رحم تلك الخصوصيات.
شخصيا لا اعتقد ان ابداعنا الادبي والفني الخاص مهدد بالانقراض بسبب الاندماج في تيار العولمة، بل بسبب فقداننا احترامنا له,, والاحرى ان نوافذ التواصل بما يحدث خارج المحيط الحميم ستكون فعلا نوافذ تحمل المزيد من المعرفة والالهام,, المهم هو ما يفعله المتلقي بهذه المعرفة, المبدع الحقيقي لا يتأثر بصورة ببغائية ولا يقلد دون ان يخضع هذا الجديد للتفاعل مع معطيات هويته وشخصيته الخاصة، وستفتح له العولمة ابوابا وابوابا من التجدد والعطاء, اما المتظاهر بالابداع والسطحي الوعي ونصف المثقف، فسيمارس ما يفعله السطحيون في كل حقل,, سيلتقط قشورا من هنا وهناك ويقلدها مظهريا، ويلعلع بها,, ثم تغيب عنه ابعادها وجذورها الاعمق فيظل شكلا بلا محتوى وصخبا بلا مضمون,, مع فقدان الهوية الاصلية ان كان قد احس بها من قبل.
حين يكون الابداع محصنا بالوعي وقدرة التفكير والتذوق والتخيّر فانه غالبا لن يفقد هويته بل يتخير من معطيات النوافذ الجديدة ما يثرى النسيج الاصلي ويمنح الهوية ابعادا والقا يظهر جوانب منها قد تكون مجهولة من قبل، بل قد يصقل التعرض لهذه المعطيات جوهره الاصلي الى اشف مستوياته, اما حين ينصب كل ما تحمله قنوات العولمة وتياراتها من خليط المفيد النافع والشوائب السامة، في استعياب سلبي يستسلم له بكل اضراره متلق لا يتخير ولا ينتقي ولا يفكر، فهو فعل سلبي موعود بالنتائج السيئة,, كمن يجرع خليطا من الماء والاوشاب دون جهاز تنقية ذاتي انتقائي، فينتهي فعلا باختراق المناعة الذاتية وإمراض من يتقبل المحلول المريب متهورا,, او جاهلا.
هذا دون ان ندخل فيما يمكن ان نضيفه نحن لإثراء وتوجيه وتعديل تيار العولمة كرافد اساسي في هوية المسار العالمي، فهل يجب ان نظل في موقع المستهلك المتلقي متأثرين لا مؤثِّرين؟ ام ان لنا خيار الفعل بدلا من البقاء على الهامش والانفعال المجرد منبهرين,, او متخوفين.
|
|
|