شدو مدينة الرياض (وظاهرة لغوية!) د, فارس الغزي |
كنت وزميل مهنة نحتسي القهوة في أحد المقاهي المكتظة بزبائن جلهم من الشباب, وفي لحظة من اللحظات اعترى كلا منا صمت مطبق باعثه وحسب ما اعترف كل منا للآخر لاحقا ما وصل إلى أسماعنا من لهجة متميزة لهؤلاء الشباب, في تلك اللحظة بادرت زميلي بفرضية مستقبلية فحواها انبعاث لهجة واحدة للأجيال القادمة، فقط ليطلب مني زميلي (غير المقتنع!) شرح حيثيات فرضيتي تلك، وهناك بادرته بالقول إنه من المعلوم أن مدينة الرياض تضم ما يفوق ثلاثة ملايين من السكان أكثر من 50% منهم من الشباب دون سن العشرين ومن المعلوم كذلك ان معظم أهالي هؤلاء الشباب قد قدموا من مناطق أخرى نتيجة للهجرات الداخلية طلبا للرزق المتمثل بوفرة الوظائف وتعدد الفرص الدراسية وخلافه,,
هذا الأمر جعل من التباين والتمايز صفتين أو سمتين من سمات سكان تلك المدينة من حيث إن كل مجموعة هاجرت إلى تلك المدينة بثقافتها الفرعية وعاداتها وتقاليدها التي حافظت عليها لدهور ودهور وذلك من خلال عوامل التنشئة الاجتماعية للخلف على يد السلف.
ولكن ومع عوامل الزمن ووسائل (التثقيف) الأخرى كوسائل الإعلام والمدرسة وجماعات من النظراء (الأصدقاء)، ومع، كذلك، تطور المجتمع على وجه العموم، بدأ دور الأسرة يقل رويداً رويداً نتيجة لاضطلاع الوسائل المذكورة آنفاً ببعض من الأدوار التي كانت حكراً على الأسرة كما هو جلي بانتشار دور الحضانة والمربيات وانشغال الوالدين بأعمالهم لأوقات طويلة مما أعطى الأجيال الشابة الفرصة تلو الفرصة للتفاعل بعضهم مع بعض ولأوقات طويلة وبالتالي (اختراع) لهجة توفيقية خاصة بهم تختلف عن لهجات آبائهم وأجدادهم، الأمر الذي من جرائه أن شهدت مدننا وسوف تشهد المزيد الكثير من الظواهر اللغوية الجديدة، وخصوصاً المدن ذات الحجم الكبير مساحة وسكاناً وذات الثقافات الفرعية المتباينة (نسبياً), ومن ضمن تلك الظواهر التي أكاد الجزم بانبعاثها هي لهجة واحدة تصهر متحدثيها وخصوصاً الشباب منهم في بوتقة (لغوية/عامية) واحدة في المنظور القريب.
قد يقول قائل وماذا عن ذوي هؤلاء الأجيال وخصوصاً كبار السن منهم وكيف تتم عملية تخاطبهم مع أبنائهم؟!,, (لأقول!) إن الحل (التلقائي!) يكمن فيما اتفق عليه علمياً من أنه يوجد في كل مجتمع ما يسمى بالعموميات الثقافية Cultural Universals، والخصوصيات الثقافية Cultural Specialities، وأخيراً ما يعرف بالبدائل الثقافية Cultural Alternatives: فالعموميات الثقافية تشير إلى السمات العامة والسائدة في المجتمع من وحدة دين ولغة وتراب ومشاعر وطنية وخلافه، والتي لا مناص من الحفاظ عليها والاشتراك في (الحفاظ) عليها, بيد أن هذا لا يمنع كل فئة (ولتكن فئة الشباب مثلاً) من اشتقاق ومن ثم الحفاظ على ثقافة جزئية بلهجتها الخاصة لتخصهم وحدهم ووحدهم فقط (وهذا من ضمن ما يسمى بالخصوصيات الثقافية) وما على المشكك بهذا الأمر سوى محاولة (فك طلاسم!) أغلب الكتابات (الجدرانية!) ليكون على بيّنة بما أعنيه, وعليه، وفي حالة (اضطرار) هؤلاء الشباب إلى التخاطب والاتصال مع كبار السن كوالديهم مثلاً فهم يلجؤون وبطريقة تلقائية إلى الأخذ (ببدائل ثقافية/لغوية) من شأنها التوفيق بين ما يخصهم هم من (لهجة خاصة) وبين ما يتطلبه التخاطب مع ذويهم من كبار السن,
ومن هذا المنطلق، يمكنني القول إن مدينة الرياض سوف تتميز بلهجة واحدة في المنظور القريب حالما تشب الأجيال اللاحقة عن الطوق وتتسنم مراكزها الاجتماعية:
ألم يقل علي بن طالب كرم الله وجهه لا ترغموا أبناءكم على عاداتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ,.
أوَ ليس باختلاف العادات تلك اختلاف للرموز اللغوية الدالة على ما تعنيه؟!,, علمياً نعم.
|
|
|