Thursday 13th January, 2000 G No. 9968جريدة الجزيرة الخميس 7 ,شوال 1420 العدد 9968



يا لهذا الليل,,!
د,فهد المغلوث

لكل وقت ومكان مشاعره الخاصةبه، ولكل أجواء مهما كانت مشاعرها المتفردة بها والتي لا تحدث في أجواء أخرى، ولكن يظل لليل مشاعره الخاصة به التي لا ينافسها فيه شيء آخر بسهولة.
ولا أدري على وجه التحديد لماذا تنتابني مشاعر مختلفة حين التفكير بالليل أو مجرد تذكره والاسترسال في شريط أحداثه, هذا وأنت تفكر به فقط، فكيف بك حينما تعيشه بنفسك وتبحر في أعماقه السحيقة المظلمة وما يخفي خلف جدرانه الصامتة المطلية بالغموض؟!
أشعر بهذا الليل وكأنه عالم قائم بحد ذاته، وهو لعمري كذلك، فهذا الليل حينما يلفك بردائه القاتم، وحينما يتوشحك بغطائه الأسود، وحينما يجبرك على السكوت والتأمل في ملكوت الله تشعر بالفعل أنك إنسان آخر قد اكتشفت نفسك لتوك.
في هذا الليل يحلو لك أن تخلو بنفسك وتناجي ربك، يحلو لك أن تفتح أمامك وبين يديك صفحات يومك، بل أيامك الماضية، لترى بنفسك من أنت وما مدى رضاك عن نفسك!يا الله! حتى تلك الوردة الجميلة ذات الرائحة العطرة والرؤيا النضرة الساكنة بجانبك بالقرب من سريرك إن كان لها وجود أصلاً !
حتى تلك الوردة التي احضرتها بمحض ارادتك وبرغبة منك، فإنك حينما تلتفت إليها أثناء الليل وقبل النوم تحديداً، وبالذات قبل إطفاء الاضاءة المجاورة لها، حينما تتأملها جيداً تشعر بلغة مشتركة بينك وبينها لا يفهمها سواك، وهي لغة أشبه ما تكون شبيهة بلغة العيون! تلك اللغة التي تعتمد على التحديق طويلا.
هذه الوردة الجميلة وربما اخواتها، كأنها تقول لك: ولمَ القلق من الغد والمستقبل والله معك؟ لمَ تفكر في أشياء أخرى وأنا معك؟ ألم تقتنني بنفسك لتريح نفسك بوجودي وتسعد عينيك بمشاهدتي؟ فلماذا التفكير في الأشياء المرهقة والمتشائمة؟ ألا يكفي انني أضفى على المكان أجواء جميلة وأضواء فريدة كنت تحلم بوجودها في حياتك؟
يا لهذه الوردة في هذا الليل! تظل تخاطبك طالما كانت عيناك في عينيها، وكأنها تقول لك: ها أنذا موجودة أمامك وبجانبك وبين يديك فلا تفرط بي، احرص على أن تهتم بي وترعاني، احرص على الا تلتفت على من يشغلك عني، حاول أن تعطيني جزءا من وقتك كي تراني أمامك بأبهى حلة وأجمل صورة, أما أنا فعهد علي أن أجعل أيامك جميلة ورائعة بإذن الله.
ألا يكفي هذا الليل أنه الفترة التي تستطيع أن ترحل فيها إلى أي مكان تريد في العالم ومع أي إنسان تريد وبأي وسيلة ترغب دون أن تضطر لترتيب حجز مسبق وشراء تذاكر سفر والحصول على تأشيرة دخول لذلك الجزء من العالم الذي تريد السفر إليه، واقتحام معالمه واكتشاف دواخله,ألا يكفي هذا الليل أنه ستر وغطاء لك ولأسرارك من كل من يحاول أن يقتحم عالمك الخاص الذي تحاول أن تحافظ عليه, ألا يكفي هذا الليل أن تعيش بمفردك وتحاسب نفسك وتتأمل من حولك وأن تذرف كل الدموع المخبأة في مآقيك طوال فترة النهار وأن تخرج من داخل صدرك كل الآهات الحرى المختزنة في داخلك لظروف وأسباب خارجة عن ارادتك.
لا أدري، ولكن أشعر أن كل شيء يمكن أن يكون له معنيان، معنى خاص تفهمه حين تنظر إليه في النهار وآخر حينما تنظر إليه في الليل، ربما لأن الليل يعني الهدوء والراحة والتركيز وتوفر الوقت الكافي للتمعن في الشيء والدخول لاعماقه وتفسير مضامينه.
انظر إن شئت لكل زاوية في غرفتك، بل لكل قطعة جامدة فيها, قد لا تعني لك تلك الأشياء شيئا في النهار ولكنك حينما تعاود النظر إليها في المساء مجرد النظر فإنك سوف تفهم أشياء ومعاني أخرى لم تدركها من قبل،ليس لأنك تغيرت أبداً ولكن لأن الوقت اختلف.
ففي النهار انت وأنا ننظر للأشياء على عجل أو ونحن مشغولان، أما في الليل فالوضع مختلف لأننا نحتاج إلى مؤثرات أخرى هي ما تعطينا تلك النظرة الأخرى للشيء، وإذا ماتحدثنا بلغة الألوان التي أعرفها جيداً واتعامل معها واستعين بها لادركنا إن الليل يضفي على المكان بريقا آخر لأن اللون في الليل يختلف عنه في النهار وبالذات الألوان الهادئة المريحة أو تلك الممزوجة مع الألوان الدافئة، وحتى تلك الرحلات والصحبة مع الآخرين في السيارات ونحوها، فإن لها مع الليل مذاقا وشعورا آخر, فلو كنت بصحبة شخص في سيارة مثلا، فإنك في أثناء النهار تخاطبه وانت تراه ومع ذلك تشعر بفجوة مكانية ونفسية بينك وبينه, أما في الليل فأنت تخاطبه بلسانك وتراه بقلبك وتشعر بوجوده معك وقربه منك بمشاعرك.
وحديث الليل لا شك يقرب بين النفوس وبالذات حينما تكون الأجواء خافتة والظلام دامسا, والطريف أنك حينما تكون في رحلة أو على سفر مع شخص آخر أو أكثر, فربما احرجت من وضع رأسك على كتف من يجاورك في مقعد السيارة أو على فخذه أما في الليل فإنك دون أن تشعر أو تفكر تجد نفسك وقد وضعت رأسك على كتفه أو فخذه مع شعور غريب مختلف يحسسك بقربه منك وقربك منه ويزداد هذا الشعور حينما يكون هذا الإنسان أقرب الناس إليك أو من تحلم بالحديث معه ومرافقته فما بالك أن تضع رأسك على كتفه او حضنه وكأنك طفل صغير بين حضن أمه! ألم يحدث معك هذا الموقف يوما ما؟ وماذا كان شعورك حينها؟ غريبا,, أليس كذلك؟ ولكنه جميل، دعني أقولها عنك.
اتعرف لماذا كل هذا؟ لأنك تنسى كل شيء,, تشعر بسعادة كون هناك إنسان احتضنك إليه وأعطاك الدفء والحنان والعاطفة التي تحتاجها وربما من خلال هذه اللحظات الفريدة الرائعة استطاع أن يجعلك تبوح له بأشياء كانت يوما ما محرما على احد سماعها, ولكنه الليل -بعد الله- هو من ساعد في ايجاد تلك الأجواء واللحظات وساهم في ايقاظ المشاعر الجميلة بداخلك فهلا أحسست بالليل؟ وهلا استمتعت به؟ وهلا أضأت نور هذا الليل بشمعة إيمانك بالله وتذكرك له؟

همسة
في المساء,.
وفي آخر الليل,.
كونه يرمز إليك,.
تستيقظ المشاعر الجميلة,.
من سباتها العميق,.
كعروس بحرٍ مبهرة,.
تطلُّ بوجهها الجميل,.
من أعماق البحر البعيدة,.
من زرقة الماء الصافية,.
* * *
تُقبل بكل حذر وفضول,.
متجهة نحو الشاطىء,.
لرؤية عالم آخر,.
لرؤية إنسان,.
سبق أن أنقذته
فأودعته شاطىء الامان,.
إنسان تريد الاطمئنان اليه,.
إنسان هامت به,.
تريد أن تكتشفه,.
عن قرب.
* * *
وفجأة,,!
وما أن يبزغ فجر جديد,.
ما أن تختفي عن الأنظار
تغوص مرة أخرى
في أعماق البحر,.
في ظلمة الليل,.
في مجاهل المحيطات!
وكأنها لم تكن!
* * *
والكل ينتظر عودتها,.
يريد أن يرى بنفسه,.
ذلك الكائن الغريب,.
لأنه حدث فريد,.
لا يتكرر حدوثه
سوى في روايات الخيال!
سوى في قصص الأطفال!
* * *
فهذا أنت.
ليل جميل,.
تجتمع فيه الأحاسيس النبيلة,.
كل المشاعر الجميلة,.
لتتحدث فيما بينها,.
بلغة المشاعر,.
التي لا يفهمها,.
سوى أصحاب المشاعر!
بلغة الدلال,.
المتمثلة فيك,.
وبلغة الجمال,.
التي لا يعرفها,.
سوى من يعرفك!

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

عيد الجزيرة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.