لو كنت شاعرا أو حتى متشاعر عربيا أو نبطيا لأفرغت نفسي عدة أشهر أصمم فيها ديوانا اضمنه حكما شعرية لكل المناسبات, قصيدة للفرح وأخرى للحزن وثالثة عن العيد ورابعة عن الطفل وخامسة أخص بها المرضى, وهكذا أزود الكتاب وخاصة كتاب الزوايا بكل ما يحتاجونه لضرب الأمثلة والتعبير بالحكم.
ولا اعتقد ان هذا صعب بل هذا هو أسهل الطرق, فقط أحاول ان اضع بعض الكلمات القديمة انقشها من القواميس بل في بعض الأحيان ربما تخترع الكلمة, المهم ان يكون صداها عربيا قديما حتى يحتار النقاد في معانيها فليلجأون الى رولاند بارت وطقته، فمثلا في مسألة الحزن اصنف قصيدتي على الشكل التالي.
(أحزن طلقت بعد ضحكات جابت فؤادي بأم سرور بعد شرب الخروع) |
ويمكن أن أقول في قصيدة المرضى:
(ومريض طافت به صحته كما هام على الأبالسة طير المستحدثِ) |
وعن الطفل:
(وطفل علمته الرزايا مساحات للونين كما يجرر خيبات الآمال للعرس الوجبي) |
حتى أنني استطيع أن أقصي المتنبي عن عرش العيد بقولي:
(عيد لبسنا لك تتركس وطاقية زرى وحمانا في يد صهيون بلا ذنب ولا وزري) |
وهكذا اصنف ديوانا يغطي كل ما حتاجه الناس لضرب الأمثلة وأبعث به لكل من أستأنس في نفسه الرغبة لأمثلة جيدة عن المناسبات المختلفة وبهذه الطريقة يصبح المرء شاعرا مهما لأن الناس لا يهمها جودة الشعر أو القصيدة فالمهم (قضبهم) بيتا أو بيتين يضربون به أمثالهم ويستشهدون بها في مقالاتهم, أما إذا اعيتني صناعة الشعر فهناك فرصة اكبر وأسهل وهي صناعة الأمثال, ففي كل مقال يمكن أن أؤلف مثلا يناسب المقام, مثلا استطيع أن أقول (أطول من خرموع) وإذا سأل احد عن خرموع أقول بكل سهولة انه كان في الجاهلية رجل يدعى خرموع وكان يصنع من جذوع الشجر نعالا للناس ولكنه كان يصنع لنفسه نعلا خاصا طوله حوالي متر يركب عليه ويطوف به بين المضارب وكان يبدو بنعله هذا أطول أهل الحي ومنذ ذلك الحين اصبحت العرب تضرب المثل بطول خرموع فتقول: (اطول من خرموع).
كما يمكنني ان أؤلف كلاما مثل قولنا (الذي لا يأكل البر ما يقدر على الطحين) وهذا المثل كما تلاحظ يصلح لمناسبات كثيرة ولا يحتاج الى شرح ولكن إذا ابلشك أحد واصر أن تشرح له يمكنك أن تدعي أنه كان في الأندلس في أيام أبي عبدالله بن الأحمر الاخيرة شح في الأكل بسبب محاصرة الاسبان لغرناطة وبدأ توزيع الطعام بشكل مقنن ولكن مع الوقت اصبح الأغنياء يأكلون الطحين ويتركون البر للفقراء أو الطبقات الأدنى, ويضرب هذا المثل للإنسان الذي يعرف قدره وإمكانياته.
كما يمكنك ان تبتدع أمثالا وتلزقها في الشعوب الأخرى فتقول على سبيل المثال, (الحصان الأبيض لا تعرفه الريح) وتنسب هذا المثل للشعب البلغاري, وعلى هذا المثل تستطيع ان تركب عشرات القصص وتضرب بها عشرات المواقف والحكايات.
فهو كما تلاحظ يصلح أن يضرب به على السرعة او القوة او الخفة ولكن أفضل شيء أن تمثل به على الغربة والأسفار, تقص قصة إنسان سافر وواجه مشاكل في تلك البلاد او طالب يدرس في الغربة وجابه بعض التحديات والمشاكل ثم تختم حكايتك بقولك كما يقول المثل البلغاري: (الحصان الأبيض لا تعرفه الريح), ويمكنك أن تنسب للصينيين الحكمة التالية (كثرة الأعنة تقعد الخيول) فهذا المثل كما هو واضح يحض على تحديد القيادة وهو شبيه بالمثل الذي يقول (قدر الشراكة ما يفوح) بصراحة نستطيع أنا والقارىء الكريم ان نؤلف امثالا بعدد شعوب الأرض.
اليك الآن بعض الأمثلة المتنوعة, يقول الأسبان (النعجة العرجاء تعرف الحقول) ويقول الأرجنتينيون (الثلج لا يولد غير الماء) يقول الفنلنديون: (ما بعد الجليد سوى حزم الشمس) ويقول العرب (إذا جلست العجوز فلا تنفخ في النار) يقول الهنود (الخيمة بعدد اطنابها) ويقول أهل نجد الأولون (المحالات تون على صانعها) وبامكان القارىء الكريم أن يضيف على هذه الأمثال ما يشاء إلى ما لا نهاية.
المهم في الموضوع أنه لن يسألك أحد أن تثبت أن هذا المثل هو من قول الأسبان أو من قول الامريكان أو من تأليفك, فالمثل الفنزويلي يقول: (لا تأكل البلح قبل عد النخيل) أليس كذلك؟
لمراسلة الكاتب
yara2222*hotmail.com