عزيزتي الجزيرة:
تشهد البلاد نهضة شاملة لكل قطاع وفي كل ميدان ومجال، ومن أهم ما تهتم به التعليم فقد أولته حكومة هذه البلاد حفظها الله كل عناية ورعاية فبذلت الشيء الكثير من مال وجهد وقدمت كل شيء في سبيل تقدم التعليم ورقي المتعلمين فسجلت بذلك اروع الأمثلة وأعلى الرتب منذ وزير التعليم الأول خادم الحرمين الشريفين حفظه الله إلى ان وصلت مكانة عالية في التعليم إذ نهضت بالبلاد وفي فترة وجيزة حتى لا تكاد تجد أمياً وذلك بفضل من الله ومنة ثم بما تبذله للتعليم حكومة هذه البلاد إلى ان حصل المواطن السعودي على شهادات عالية وحاز على درجات علمية متقدمة في كل مجال من طب وهندسة وغيرهما من العلوم الدينية والدنيوية, وهذا ليس بعجيب ولا غريب في ظل تلك الجهود المبذولة خدمة للعلم والتعليم,, ووزارة المعارف تسعى في ذلك الميدان سعيا حثيثا لتثبت قدرتها على النهوض بالتعليم الى مصافٍ متقدمة، وقد أشاد بذلك القريب والبعيد, وأثبتته القفزات المتتابعة والتطورات السريعة التي يخطط لها بعقل حكيم وفكر متزن وأهداف راسخة,, فلا عجب بعد ذلك أن يصل التعليم في المملكة إلى هذه المكانة الرفيعة وأن تصل النهضة فيها إلى هذه الرتب العالية,, ومع كل ذلك التقدم وذلك الرقي إلا ان وزارة المعارف تسير إلى الأمام بلا توقف وتنظر بعين متجددة نحو الأفضل وترغب بالمزيد نحو الأحسن والأكمل فكل ما حصلت على درجة زاد حرصها للحصول على أعلى منها وأرفع, فهنا تطوير في المناهج وهناك تطوير بلوائح الاختبارات وطرق قياسها, وهنا تدريب وإشراف وزيادة كفاءة للعاملين في العملية التعليمية واعادة تخطيط للهيكل التنظيمي العام.
وحول هذا التطور الذي تشهده الوزارة اقدم بعض الآراء والاقتراحات في بعض الجوانب في العملية التعليمية:
أولا : في السنتين الدراسيتين الأخيرتين لقيت المناهج تجديداً عالياً في المستوى وفي الصف والاخراج وفي الطباعة والايضاح وفي التقديم والطريقة، ومن بين تلك المواد والمناهج مناهج اللغة العربية, والملاحظ على مناهج اللغة العربية أنها لم تصل إلى درجة كبيرة من ذلك التجديد سوى مادتي الخط والإملاء، أما القواعد والقراءة فلك ان تقول لم يغير فيهما إلا الغلاف وتغييرات طفيفة جداً, فهي كغيرها من الأعوام السابقة يتغير تاريخ طباعتها ويبقى المحتوى كما هو إلا تغييراً خفيفاً في بعض الصفحات، فهذا العمل يكلف المبالغ الطائلة وهو هو لم يتغير,, فهل هذا هو التجديد الذي تطمح إليه الوزارة؟! لا أعتقد ذلك أبداً.
ومواد اللغة العربية لا تتعلم لذاتها وإنما هي وسيلة لهدف يراد هو باختصار: تقويم اللسان والقلم عند القراءة أو الكتابة, وهذا الهدف لا يأتي من قواعد ومعلومات شفهية إلقائية نظرية، وإنما بالاضافة إلى ذلك وهو الأهم بعد المهم ان يعنى بالامور التطبيقية ولا نقول: أن التطبيق غير موجود جملة وتفصيلا بل هو موجود ولكن بتغليب جوانب منه على جوانب, وعندما نقترب للتوضيح قليلا,, فهذه مادة القراءة تعنى بالجانب الشفوي أكثر من الجانب التحريري, بينما مادة الإملاء تعنى بالجانب التحريري أكثر من الجانب الشفوي.
ولكن ما حال مادتي القواعد والتعبير؟؟! فأي الجانبين مقدم على صاحبه فيهما؟! أهو الجانب الشفوي أم الجانب التحريري؟! الحال في الواقع تميل وبشدة إلى الجانب التحريري وتغلب كفته على الجانب الشفوي؟! وهذا من وجهة نظري خطأ وسبب كبير من أسباب الضعف السائد بين الطلاب، ولعلاج هذا الأمر لننظر إلى الجانبين من ناحية تمشي الطالب معهما, فعندما نعود إلى أعمال الطالب وتطبيقاته نجد أن لغة اللسان تختلف تماما عن لغة الكتابة عند غالبية الطلاب,, فلغة لسان الطالب هي لهجة عامية يعبر بها في يومه بطلاقة عن حاجاته ومتطلباته ومناقشاته,, وهو في الوقت نفسه عندما يترجم ذلك التعبير الشفوي وتلك اللغة الكلامية بلسانه إلى تعبير كتابي تحريري بقلمه فسنجد التغير الجذري عن لغة اللسان إذ تحول فجأة إلى أصله اللغوي الذي استقاه وشربه من خلال ما حفظه وتلاه وقرأه من كتاب الله وسنة نبيه وما استوعبه من شعر ونثر وما يقرأه في كتبه المدرسية فهو يسايرها بقلمه لأن تركيزه عليه ولكنه لا يسايرها بلسانه لأن لسانه يستقى عباراته من خلال أذنيه مما يسمعه من محادثات مع الناس الذين طغت فيهم العامية فهو يسايرها في لسانه وعندما نعود إلى الهدف من تدريس مواد اللغة فإنه يجمع بين اللسان والقلم ولا يغلب جانبا على جانب وإنما المراد كلاهما,!
أيضاً ومع التركيز على الجانب التحريري نجد التشتيت الذهني فيه فتدريبات كتب اللغة العربية في غالبها تجمع بين أهداف سلوكية متعددة فمثال ذلك لننظر إلى سؤال من كتاب القواعد في الجمل الآتية جموع مذكر سالمة, عينها، وأذكر موقع كلٍّ منها من الاعراب، وعلامة إعرابه ففي هذا السؤال على الطالب أن يفهم السؤال أولا ويحسب الهدف المطلوب فيه ثم بعد ذلك يبدأ بالاجابة وهذا عامل تشتيت ومخالف للنظريات التربوية,, ففي التدريب على الطالب أمور ثلاثة تتطلبها اجابته الصحيحة:
1 تعيين جموع المذكر السالم.
2 ذكر موقع كلٍّ منها من الاعراب.
3 علامة إعرابه.
فلو أخفق الطالب في الأول فسيخفق بالباقي أمر لابد منه لان الأمرين الثاني والثالث يأتيان وفقا لصحة اجابة الأول والاقتراح في هذا الأمر ان يعادل الجانبان في اجراء عملية التطبيق تحريريا وشفهيا، وأن يحدد الهدف في التدريبات ليقيس هدفا سلوكيا واحدا.
ثانيا: حرصت الوزارة غاية الحرص على إزالة شبح الاختبارات من نفوس الطلاب واعتبارها أي الاختبارات جزءا مكملا لأيام الدراسة لا اختلاف فيها وهذا من اهم اهداف لائحة الاختبارات الجديدة التي طبقتها الوزارة هذا العام, وفي الحقيقة شيء جميل جداً أن يهتم بنفسيات المتعلمين إلى هذه الدرجة الرفيعة وشيء جميل ان يكون ذلك تطبيقا عمليا, فكانت خطوات الوزارة في ذلك هي ايجاد التقويم المستمر في المواد الشفوية وهذا أتى ثماراً طيبة ونتائج رائعة في إزالة شبح الخوف من نفوس الطلاب في تلك المواد المطبق فيها، ولكن ما حال ونصيب المواد التحريرية؟! حالها ونصيبها أن جعل الأمر فيها بإقامة اختبارين الاول نصف الثاني في الدرجة والوقت فالأول: اختبار منتصف الفصل الدراسي والثاني اختبار نهاية الفصل, ونصيب الاول من الدرجات 15 درجة، والثاني 30 درجة, وإذا نظرنا لهذا الاجراء من ناحية التعويض الممكنة لدى الطالب المخفق نجد انه اجراء سليم إذ كل منهما مساعد ومساند للآخر، ولكن عندما ننظر من ناحية مشاعر الاستعداد نجد ان الأمر كما هو بل زاد الأمر إلى كونه مرة في الفصل إلى أن أصبح مرتين وفي هذه النظرة نقع بما فررنا منه وهو بقاء الخوف والقلق إن لم نكن ضاعفناه, هذا متعلق بالصفوف العليا من المرحلة الابتدائية وما فوقها اما ما يخص الصفوف الأولية فإن الخوف منتهٍ لان التقويم مستمر طوال العام بتحديد مهارات يتجاوزها الطالب دون اجراء اختبار اصلاً.
والاقتراح حول هذه القضية: ان الاختبارات مادامت موجودة فالخوف امر طبيعي حينها لأنه لابد من رابح وخاسر, ما بين مجتاز ومخفق ما بين ناجح وراسب، وإن لم تكتب هذه الكلمات في اشعار النتائج إلا ان واقع الطالب وشعوره باقٍ ما بقيت الاختبارات فلن يزول الخوف ما بقيت الاختبارات,, والاختبارات شيء أساسي في عملية القياس التحصيلي لدى الطالب، ولتخفيف ذلك الشعور بالقلق والخوف عند الطلاب اولى ان يقسم القياس التحصيلي الى قسمين في المواد التحريرية هذان القسمان هما:
1 تقويم مستمر بنصف الدرجة 25 ويحدد نقاط ذلك التقويم كما هو معمول به في المواد الشفوية.
2 تقويم اختباري آخر الفصل الدراسي بنصف الدرجة المتبقي وهو 25 درجة.
ولهذه الطريقة فوائد أذكر منها ما ذكرت آنفاً:
1 الجمع بين جانبي التطبيق (شفوياً وتحريريا).
2 تخفيف ذلك الشعور بالقلق والخوف من شبح الاختبارات.
ثالثا: نشتكي دائما من الضعف السائد بين الطلاب في بعض المواد الدراسية وذلك الضعف لم يأت من فراغ بل جاء إثر اسباب قوية وكثيرة, فمعرفة السبب في ذلك الضعف خطوة من اهم خطوات العلاج ايضا تحديد أطراف الضعف خطوة اخرى مهمة في العلاج, وإذا كانت الشكوى عامة في كثير من المدارس والمدن والمناطق فيعني ان السبب شامل وعام، ايضا لا نهمل الاسباب الجانبية الخاصة لكل طالب على حدة وللوصول للأمرين العام والخاص لنتدرج في المسؤولية الملقاة على الجميع في قضية الضعف, فإذا بحثنا عن الاطراف العاملة في الطالب نجد ان حوله المعلم والمنهج ثم مديرالمدرسة وولي الأمر والمرشد الطلابي ثم المشرف التربوي ثم إدارة التعليم ثم الوزارة ووكالاتها كل فيما يخصه فنحن جميعا في دائرة هرمية تتصاعد فيها المهام وتتسع.
فنجد ان حول الطالب عوامل ثلاثة هي: المعلم، المنهج الدراسي ثم الشارع وتوابعه من الشواغل في المنزل, وبعد هذه العوامل تأتي عوامل اكثر مسؤولية في التأثير وأكبر مسؤولية من ناحية العدد الطلابي هذه الدائرة المتسعة عن الدائرة الاولى تخص: مدير المدرسة والمرشد الطلابي وولي الأمر, ثم تتسع دائرة ثالثة اكثر واكبر اعباء عن غيرها من الدائرتين الاوليين هي دائرة المشرف التربوي وتحيط بدائرة المشرف التربوي دائرة ادارة التعليم ويحيط بها دائرة متسعة هي: الوزارة ووكالاتها.
فعلى الوزارة مهام اكبر تليها ادارات التعليم وبعدها المشرفون فأين دور الوزارة في التعليم والتثقيف والتربية في وسائل الاعلام؟ أين دورها في اعداد الخطط الاعلامية في التأثير على الطالب وتثقيفه؟ أم ننشغل في اعداد الكتب ونهمل الطالب في اكثر وقته؟ نعم للوزارة جهود في انشاء مراكز صيفية لاستثمار وقت الطالب واثارة ما لديه من مواهب ولكن ما دورها في اعداد برامج تلفازية تشغل الطالب عن الافلام المدبلجة والكرتونية التي إن لم تضره فلن تنفعه وحسبك بعدم النفع من ضرر.
والاقتراح: ان تقوم الوزارة بتشكيل لجنة اعلامية منهجية مساعدة في تعليم الطالب وزيادة معلوماته واثارة كوامن مواهبه من خلال اعداد برامج وأفلام تلفازية تشد الطالب وتربيه وتهيئه، وتزاحم تلك الافلام المدبلجة والكرتونية، أيضاً تعد لبرامج نافعة للمشرف التربوي وولي الامر والمرشد والمعلم على حد سواء.
رابعا: كثيرا ما نسمع في الآونة الاخيرة والسنوات الاخيرة عن التعليم في اليابان وفي ألمانيا وو,, مما إذا تُكُلِّم في قضية رُدَّ: التعليم في اليابان كذا، أو يعمل في ألمانيا بكذا,, وهنا نقول نعم لابد ان نستفيد من الأمم حولنا بما ينفعنا وهذه عملية مهمة عاملة في خطوات التجديد المطلوب ولكن هل كل ما ينجح في دولة سيجد النجاح نفسه في دولة اخرى؟! إن لكل شعب اساسيات تحكمه ولا يمكن تخطيها بل لابد ان يكون التجديد مسايرا لها يستقي منها ويتشرب التجديد من تعاليمها فهل حياة المسلم كحياة الكافر، وهل تعامل العربي في يومه كتعامل الغربي؟ فالدين والعادات والتقاليد متباينة ومحكمة في التجديد ولن ينجح تجديد يخالفها, ثم إن النظريات التربوية يتباين تأثيرها من مجتمع لآخر وحتى من شخص لآخر فما ينجح في مجتمع يحتمل الاخفاق في مجتمع آخر وما يجدي مع شخص يعجز مع آخر وهكذا.
عبدالمحسن بن سليمان المنيع
الزلفي