بيننا كلمة نحن والعولمة؟2 د , ثريا العريّض |
العولمة، بإيجابياتها وسلبياتها، صيغة المستقبل، لا يكفي أن نرفضها أو نتخوف منها، بل علينا أن نفكر في كيفية التعاطي مع نتائجها.
في مواقع المركزية المطلقة في اتخاذ القرار والمسار السياسي تتعارض العولمة وانفتاحاتها مع توجهات ومرئيات وممارسات المركزية المحلية,, خاصة فيما يتعلق بالعقائد أو بالحريات في وثيقة حقوق الإنسان التي اعتمدتها الجمعية العامة في الأمم المتحدة قبل أكثر من خمسين عاماً، من ذلك حرية الحركة والتفكير والتعبير خاصة عن الاختلاف والمعارضة للرسمي والسائد, أي أن مسيرة العولمة في الشرق بدءاً قد لا تلامس النمو الاقتصادي إلا للقلة، ولكنها ترتطم بالسياسي والاجتماعي والثقافي,, وتتأزم عند السياسي, وهنا عند خط التماس مع النطاق الأخير تدخل في مجال حقوق الإنسان الفكرية ومشروعية الرقابة الإعلامية مفروضة بدوافع ومبررات سياسية.
ومهما كانت مبررات المنافحة عن العولمة، فإن لها من السلبيات خاصة حين تطلق لها العنان دون حدود ومعايير تأخذ بالاعتبار مستوى الوعي عند المستهلك ما قد يفوق الإيجابيات.
ولعلّ مقارنة توجهات محطات البث الفضائي وهو وليد التوجه العولمي خير دليل على التباس النتائج وتداخل السلبيات بالإيجابيات؛ السي ان ان مثلا تركز في تناولها لمستجدات الأحداث السياسية بما في ذلك نشرات الأخبار العالمية وبرامج النقاشات والمقابلات على الهواء مثل لاري كنج، وتعليقات المراسلين على المنطلق الغربي الذي يضخم صورة العربي والمسلم محرفة إلى بعبع إرهابي يهدد السلام العالمي وبالأخص إسرائيل، وكل حدث آخر لا يمس مصالحها يحجم إلى الوضع الطبيعي كخلاف مؤقت, ولذلك فهي تقدم كل انفجار وراءه يد عربية على أنه حدث إرهابي,, بينما كل مجزرة وراءها متطرف إسرائيلي هي حدث مؤسف يبرره الانفعال العاطفي، وكل غارة اسرائيلية أو تفجير هو إجراء وقائي، أو عقابي, ولكن السي ان ان وغيرها من الفضائيات الغربية تأتي أيضاً ببرامج إخبارية وعلمية وثقافية مواكبة للمستجد علميا وثقافيا مما يجعل هذه المحطات نافذة على عالم النمو الفكري والثقافي والمعلوماتي, وهكذا يمتزج السم بالدسم, بينما البث في الفضائيات العربية يتقلص إلى نشرات أخبار وتعليقات أغلبها يفتقد العمق التحليلي وتأتي بمنطلق تقليدي فيه الكثير من بقايا الخطابية العربية والتأثر بالمواقف الغربية, ثم يضيع الزمن، إذا استسلم المشاهد، في غيبوبة وعي تطارد برامج غنائية وترفيهية مسطحة يختفي خواء محتواها خلف غنج المذيعة واستعراضات الأجساد, ومع هذا فالفضائيات ساحة واعدة تقدم الكثير من البرامج الثقافية الفكرية والأدبية والنقاشات حول ما يدور في الساحة العالمية السياسية والفكرية والثقافية وحتى الابداعية, كلها برامج تثري أفق المتابع,, الفرق بين ما يأتي من الغرب منها وما يأتي من المحطات العربية أن التركيز في البرامج الغربية هو على توعية المتلقي العام خارج الشاشة,, أما في البرامج الشرقية فالتركيز هو على بريق المشاركين والمذيعين وربما إرضاء المسؤولين الرسميين,, أما المتلقي العام فحضوره هامشي، يصفق لسماع رأي يرسخ ما يعتقد به مسبقاً,, ولا يشده الجديد الذي يهدد متبناه الفكري.
]ولحوارنا تتمة قادمة[
|
|
|