Monday 10th January, 2000 G No. 9965جريدة الجزيرة الأثنين 4 ,شوال 1420 العدد 9965



الرئة الثالثة
عيدي اليتيم!

هذا أوّل عيد فطر أصلى فيه لظى اليتم كاملاً,, بعد رحيل سيدتي الوالدة طيّب الله ثراها الى الدار الآخرة قبل نحو ثمانية اشهر.
***
كانت فرحتي بالعيد تتضاعف بمشاركتي إيّاها رحمها الله مراسم الاحتفاء بهذه المناسبة الكريمة، وكنتُ أحرص على شدّ الرِّحال الى دارها العامرة في أبها كل عام لأمضي ما بقي من العَشر الأواخر من رمضان في رحابها,, استمطر دعاءها، وأستمتع بحديثها، واستعيد معها ذكرياتٍ مشتركة بات بعضها في ذمّة النسيان.
***
رحم الله سيدتي الوالدة، فقد ارتبط ذكرُها وذكراها بمساحة عريضة من طفولتي المثخنة بالحرمان,, كانت تستثمر كل فرحته كعيدٍ وسواه، فتسعى لإسعادي إسعاداً يُشفي جرح الحنين الرابض بين أضلُعي!
***
وكان لعيد الفطر المبارك حضور خاص في وجدان سيدتي الوالدة,, وأذكر وأنا في سنوات الربيع الأولى من عمري أنها كانت تصرّ على (تجهيزي) ليلة العيد بأسلوبها الخاص، فتغمس القدمين مني واليدين في الحنّاء,, ثم تغطي أطرافي الأربعة بورق عريض من شجر (العِبَب),, ثم تشدّها بقطع من القماش شدّاً لا أقوى معه حِرَاكا ولا سُباتا حتى مطلع الفجر!,, وأغدو كمشروع رائد فضاء من الأقزام تكوّم داخل مقطورة مفرّغة من الهواء!
***
ويدركني الصباح,, فأتحرّر بصعوبة من وثاقي، لأبدأ معاناة جديدة تفسدُ عليّ شيئاً من فرحة العيد,, فقد كانت قدماي تتصلّبان من آثار الشدّ تصلّباً لا استطيع معه لبس الحذاء الجديد,, إلا بجهد جهيد!! لكنني أبلعُ آلامي,, كي لا أفسدَ على أمي الحنون فرحتها بي,, وبالعيد!
ومرة سألت سيدتي الوالدة، وأنا أغالب الضيق بمتاعب الحناء، فقلت لماذا لا تنجزين هذه المهمة الشاقّة لكلينا,, قبل العيد بيوم أو يومين,, حتى إذا جاء العيد، لم أشقَ بلبس حذائي الجديد؟!
فردّت عليّ رحمها الله قائلة: (لو فعلتُ ذلك,, ما بقي للعيد رائحة ولا معنى)!! ورحتُ أتمتم لنفسي قائلاً! وما يدريك يا طفل العاشرة بسرّ الربط بين العيد والحنّاء! ولو كنتُّ يومئذ قد أدركت مقولة المثل الشهير (العيد ينفع بلا حنّا)، إذن، لجادلتُ سيدتي الوالدة طويلاً,, وربّما أفلحت,, وفزتُ بالعتق من عناء الحنّاء!
***
وبعد,, رحم الله سيدتي الوالدة الحنون,, فقد كانت تجتهد في اصطياد ذرات الفرح لي وسط كيد الظروف,.
وتحاول أن تجعل من عيد الفطر المبارك موسم فرح لي يُنسيني قسوة الأيام!!
***
وكل عام ووطني الغالي بألف خير وأمن وسلام.

عبدالرحمن بن محمد السدحان

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الاقتصادية

عيد الجزيرة

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.