صمود مجاهدي الشيشان في الدفاع عن عاصمتهم غروزني طوال خمسة شهور مضت حتى الآن على الهجوم الروسي عليهم بكافة الأسلحة التقليدية الحديثة جداً: برية وجوية, هذا الصمود البطولي الرائع الذي أدهش العالم كله يؤكد صدق ما أعلنه هؤلاء المجاهدون المدافعون عن غروزني من انهم مستعدون للدفاع عنها أربع سنوات قادمة.
وبالمقابل فإن صدق هؤلاء المجاهدين الأبطال يدحض ادعاءات الرئيس الروسي المؤقت فلاديمير بوتين الذي أعلن أول امس أن قواته سوف تسيطر على غروزني وتحررها من الشيشان المدافعين عنها!
وليس أدلّ على انه بوتين إنما أعلن ادعاءً أجوف لرفع الروح المعنوية التي تزداد تدهورا بين جنوده، من أمرين:
الأول: الوقف القسري من جانب القوات الروسية لعملياتها العسكرية الجوية والبرية في الشيشان متذرعة بمناسبة عيد الفطر المبارك للمسلمين وعيد المسيحيين الارثوذكس إذ لم يُعرَف عن روسيا طوال سبعة عقود من الحكم الشيوعي وحتى بعد انهيار الحكم الشيوعي، احترامها للأديان السماوية وخاصة الإسلام، أو احترامها لأعياد المسلمين ولا حتى أعياد المسيحيين!
ولهذا فإن وقف العمليات العسكرية الروسية في الشيشان لا تفسير له سوى أنه محاولة لوقف التدهور في معنويات الجنود الروس، ومحاولة إعادة تنظيم هؤلاء الجنود الذين أفقدتهم مقاومة وضربات الشيشان الأبطال توازنهم العسكري والنفسي!
الثاني: توفير عنصر وقت مطلوب بإلحاح لايجاد استراتيجية سياسية جديدة تمكن القادة الروس السياسيين والعسكريين معاً من الخروج من مستنقع الحرب الشيشانية الذي تورطوا فيه بدافع الحقد والطمع والغباء!
وكان بوتين قد زعم في مغالطة واضحة لحقيقة الأسباب التي دعته وقادته العسكريين لوقف العمليات الحربية في الشيشان زعم أن (الهدنة فرضت فقط بسبب القلق على السكان المدنيين)!
وبالطبع فإن أي عاقل لن يصدق هذا الزعم من رجل استخبارات مهمّته الأساسية قتل الأعداء دون تمييز بين عسكري ومدني وهذا تحديداً ما فعله وما زال يفعله بوتين ضد شعب الشيشان منذ أن كان رئيسا للوزراء، ثم رئيسا بالوكالة لروسيا.
وكان محللون سياسيون وعسكريون قد أكدوا لوكالة الصحافة الفرنسية فيما بثته أول أمس (أن الروس الذين تورطوا في معارك الشوارع المحفوفة بالمخاطر داخل وحول غرزوني وجدوا أنفسهم يخوضون في مستنقع عليهم الخروج منه سريعاً، ولهذا أعلنوا الروس هدنة في الهجوم على غرزوني، وسيبحثون الآن عن استراتيجية تحفظ ماء الوجه، وتبقي في نفس الوقت على شعبية الرئيس الروسي بالوكالة فلاديمير بوتين.
وأضاف المحللون: (ولهذا فإنه من المرجح أن يقرر العسكريون الروس الذين ليس بوسعهم التراجع إطلاق هجوم أعنف على غروزني مستخدمين كل قوة الجيش الروسي).
ومن المؤكد أن القادة السياسيين والعسكريين لشعب الشيشان المسلم الشقيق ليسوا غافلين عن مثل هذا الاحتمال الوارد بقوة من جانب روسيا بعد أن كبدوا قواتها أكبر الخسائر في الأرواح والعتاد العسكري وصمدوا خمسة شهور في وجه هجوم ضارٍ، وإلا لما أعلنوا قادة الشيشان أول امس أنهم مستعدون للدفاع عن غروزني أربع سنوات قادمة.
وسيجد الروس أنفسهم كلما ألقوا بالمزيد من جنودهم وأسلحتهم وعتادهم الحربي في الشيشان أنهم إنما يزدادون تورطا في مستنقع الحرب هناك، ولا مخرج لهم منه سوى التسليم بإرادة الحرية والإيمان بعدالة القضية وهما أمضى أسلحة قادة وشعب الشيشان في هذه الحرب الروسية الخاسرة إن شاء الله.
الجزيرة