Sunday 9th January, 2000 G No. 9964جريدة الجزيرة الأحد 3 ,شوال 1420 العدد 9964



بين الفصيح والشعبي
غترة العيد

قدم محمد يوم العيد مع والده يحمل مفاجأة تشكل طفرة في الملبوسات,, إنها غترة توارى بياضها تحت وطأة النيل الذي مزج بالماء، ونقعت به تلك الغترة حتى بدت زرقاء زرقة فاقعة تسر الناظرين ولما كانت مشية محمد متبخترة تناسب الوقار والغبطة اللذين توفرهما، وتدعو إليهما تلك الغترة,, فقد اغتاظ عثمان ساكن المدينة، ولما له من نفوذ نسبي عند والده فقد اقسم ايمانا مغلظة ان لا يتعيد ذلك اليوم الا بغترة مماثلة حتى يستطيع محاكاة ساكن المدينة، او التفوق عليه، وبالذات انه يكبره سنا، ويتوافر على مكانة عند اقرانه لا تتوفر لكثير غيره، وهذه المكانة تجعله احيانا يعتصم في الجبل الذي يحد المزرعة من الجهة الشرقية مضربا حتى يتم الرضوخ لمطالبه,.
كان هذا قبل ان تنحرف به ظروف حياته، وتقلب له ظهر المجن، ليقنع من الغنيمة بالاياب,, نتيجة للطلب الملح للغترة التي احضرت على عجل، فلم يكن بالامكان التقاعس عن مثل هذا الطلب إذا كان صادرا من شخصية متقبلة محبوبة كريمة النفس,, ولكن كيف يتم إعدادها وتجهيزها للبس مع ضيق الوقت وضرورة الكي والنيل، وهما غير متوفرين؟!.
أما الكي فقد تفتقت عقلية فذة للقيام بدوره بواسطة غطاء قز يمرر على تلك الغترة ليغيب شيئا من تجاعيدها، وتوصلت تلك العقلية او غيرها للحبر الازرق بديلا عن النيل,, ولكن وبعد كل هذا هل بدت مقنعة,,؟ أم أن الشيء حين يكون في متناول اليد يصبح مبتذلا، فتعلق النفس به مادام ملكا للغير فقط,,؟
عند النظر والتأمل في المنظر العام من خلال مرآة بحجم راحة اليد دائرية الشكل، كانت ملصقة على الجدار الطيني بقليل من الجص لم تبدُ الصورة مقنعة، فتمتم صاحبنا بكلمات لم يكد يسمعها احد عندما ابصر شدة الزرقة، مما اضطره للتخلص منها على شكل هدية قيمة لابن اخته، والذي يصغره ببضع سنين، ولا يحمل التطلعات نفسها بطبيعة الحال,.
فيما تلا من سنين لم يكن صاحبنا شاعرا، ولكنه كان ذواقا للشعر من الطراز الاول، يمزج بين الفصيح والنبطي، مستعينا بصوته الرخيم المميز، يواصل ترجيع هذه الابيات وتلك، وتحديدا ساعات الفرح، والتي كانت ايام العيد قديما منها بلاشك,, فكان يمزج بين الغزل الماثل في قوله:

لي بنت عمٍ بلاني الله بحبها
لكن ثناياها ضلوع بعير
جنبا الى جنب مع قول امرئ القيس:

وما ذرفت عيناك الا لتضربي
بسهميك في اعشار قلب مقتل
وأنك قسمت الفؤاد فنصفه
قتيل ونصف من حديد مكبل
وكان للشواهد النحوية حيز كبير راسخ في ذاكرته، فطالما تغنى بقول الشاعر:

بنونا بنو ابنائنا وبناتنا
بنوهن ابناء الرجال الاباعد
وقول الآخر:

رأين الغواني الشيب لاح بعارضي
فأعرضن عنّي بالخدود النواظر
مقارنا بينهما وربما من لا شعوره وقول الشعبي:

التايه اللي جاب بصري يقنّه
جدد جروح العود والعود قاضي
وقول آخر:

يا دار لا عادة على من سكن فيك
مادام جارك بالمواجيب ينساك
يا دار لا دبك مع الوبل تسعين
ولا شربت العربان يا دار من ماك
وكان الترداد والترجيع يرتكز على المقاطع الصوتية وامكانية التنغيم دون كبير اهتمام بالمعيار الضابط للجمال الأدبي,.
في المقابل كانت الليلة الفارطة كما يعبر اخواننا المغاربة ليلة العيد تحفل ب(الجداع)، والذي تضمن لأول مرة معكرونة الاسبيكتي، مما دفع لاجتهادات متغايرة في كيفية التعامل معها، إذ يصعب القول لا اعرف في مثل هذه المواقف العملية، حتى وان كنا نردد في المجال النظري ان من قال لا ادري فقد افتى، وانها نصف العلم,, ومن الطبعي دون ياء كما يصر بعض الصرفيين ان هذه الاجتهادات لم تأت بنتيجة,, حيث خرجت هذه الاكلة نيئة دون طعم يناسب الهالة التي استُقبلت بها,, وأما القول فتم الاستعانة بحضرية بعض الحضور من المتفرنجين، فظهر مقبولا نوعا ما وامكن بالتالي التعامل معه,.
***
* الأخ محمد الخطيب إليه اوجه شكرا خاصاً لأريحيته وتزويده ببعض المفردات والاصطلاحات القديمة الدارسة والتي توشك.
أحمد المطرودي

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

عيد الجزيرة

متابعة

حوار

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.