هل نعلن الجهاد إذا قامت قوة معادية بفرض أداء تعليمي قليل الجودة على امتنا؟
وهل نعتبر مثل هذا الاداء التعليمي المتدني نزعا لسلاح تعلم الأمة؟
وهل نرغب في اكتشاف أدائنا التعليمي او مستوى طلابنا في المواد الدراسية المختلفة؟
وإذا رغبنا فهل يمكن ان نجري اختبارات تقارن بينهم وبين مجموعات اخرى مشابهة من دول العالم لنعرف اين موقعنا بين هذه الدول؟
ثم لماذا لا نجري مثل هذه الاختبارات لنقارن بينهم وبين مجموعات مشابهة في الدول الصناعية المتقدمة؟
وهل نقدم على مثل هذه الاختبارات؟ لماذا؟
ثم هل ينبغي علينا إجراء اختبارات شاملة لقياس الكفاءة الوظيفية؟ لماذا؟
ترى,, هل ينبغي لنا ان نعقد اختبارات لمعرفة (متوسط تحصيل) طلابنا مقارنا باختبارات اخرى مماثلة يفترض أنها جرت من عشر سنوات؟ او خمسة عشر عاما؟
وإذا لم يكن ثمة شيء من ذلك قد تم في الماضي فهل يمكن ان ننجز شيئا من ذلك اليوم ونجري مثله بعد عشر سنوات على سبيل المثال؟
وهل هناك ضرورة للمقارنة بين اجيالنا المتعاقبة؟
وهل نحتاج لمعرفة كفاءة انظمتنا التعليمية والتربوية بعامة وحركتها صعودا وهبوطا؟
وهل لدينا الإغراء الكافي لنتعرف على حقيقة الثروة العقلية التي نمتلكها ممن نعتبرهم من (الموهوبين)؟
وهل نقيس قدراتهم الحقيقية فنجري مباريات عقلية بينهم وبين الموهوبين من طلاب البلاد الصناعية؟
(مباريات عقلية) نتحمس لها وتحمر لها عيوننا وأنوفنا بمثل ولعنا بمباريات كرة القدم؟
هل نجري اختبارات نتعرف بها على من يملكون (المهارات الفكرية رفيعة المستوى) من أبنائنا:
اي هؤلاء: الذين يستطيعون (الاستنتاج) من مادة مكتوبة.
والذين يتمكنون من كتابة (مادة مقنعة),,!
والذين يستطيعون حل معادلة رياضية تتطلب عددا من الخطوات,,!!
وهل يمكن لنا ان نجري اختبارات دقيقة على مستوى العالم العربي لمعرفة قدرات طلابنا في الرياضيات؟ (لا الرياضة) وفي سنوات متتالية لمعرفة خط قدراتنا صعودا او هبوطا؟
وهل آن لنا ان نجري مثل ذلك في العلوم واللغة الانجليزية,, اخشى ان اقول: وفي اللغة العربية أيضا؟؟
المهم,, إن معظم الاسئلة السابقة وأسئلة أخرى مشابهة وجهتها لنفسها أمة تعتبر بمعايير القوى الدولية إحدى القوى العظمى في العالم,,!
وقد وردت تلك الاسئلة في تقرير، والتقرير اختار له واضعوه هذا العنوان:
(أمة معرضة للخطر),, Nation At Risk.
وهؤلاء القوم يرون ولا حيلة لنا فيما رأوا أن أمتهم التي يراها العالم قمة من قمم القوة معرضة للخطر,,! نعم,,! او هي على شفا حفرة من الخطر,,؟
وهذا التقرير وضعته لجنة,, واللجنة شكلها وزير التربية الامريكي,,! في اغسطس 1981م,, واللجنة لم تشكل بقصد وأد الموضوع أو لفلفته,, بل لإحيائه,,!؟
ومن اغسطس 1981م الى ابريل 1983م مضى عشرون شهراً من التتبع والدراسة والاستماع المتأني.
وبقصد (معرفة الحقائق),, لا الدعاية انعقدت الندوات والمؤتمرات واللجان واتخذت مقترحات الهيئات والمنظمات المهنية والتعليمية والمعنية بشئون الاقتصاد طريقها الى اللجنة بعيدا عن سلال المهملات,,!
وأقيمت (منابر مفتوحة) للحوار لإتاحة كل الفرص الممكنة لإدلاء الناصحين الراغبين بآرائهم ولإبراز الظروف المختلفة والمشاكل الخاصة,,! بطول الولايات المتحدة وعرضها ثم,, صدر التقرير,,!! وجاءت فيه إجابات لم تتوار,, ولم تتورع عن إثبات الأخطاء,, وأوجه القصور.
* * *
هذا,, ولقد بلغ من شدة ظنهم بارتباط (حاضر أمتهم ومستقبلها),, بل و(أمنها),, بالتربية!
انهم سألوا انفسهم بكل الجرأة وأجابوا: وجاءت الإجابة,, فكانت (أمينة) و(حريصة),, سألوا انفسهم ذاك السؤال الذي طرحناه في مقدمة كلمتنا وجسدوا فيه (مصير) امتهم وتصوروا أمنها معلقاً بخيوط التربية,, فقالوا: إنها الحرب إذن!! ومن اجلها,,؟
لقد سألوا (هل نعلن الحرب إذا قامت قوة معادية بفرض اداء تعليمي قليل الجودة على الشعب الامريكي؟) وأجابوا,, فجاءت كلماتهم واضحة قاطعة:
نعم,, (لو قامت (قوة معادية) بفرض أداء تعليمي قليل الجودة علىالشعب الامريكي لاعتبر ذلك مدعاة للحرب,,).
ثم إنهم عادوا لأنفسهم فقالوا: تالله,, إن ذلك النظام التعليمي الرديء يحدث الآن من خلالنا نحن الذين سمحنا به (اي بهذا النظام الذي يصفونه بقلة الجودة أيضا,,).
ثم يستطرد التقرير قائلا: (لقد بددنا هدراً المكاسب التي حصلنا عليها في رفع مستوى التحصيل العلمي لطلابنا بعد التحدي الذي واجهناه بإطلاق القمر الصناعي السوفيتي سبوتنيك),
ثم يصف التقرير هذا التدني في قبول تلك المستويات من التعليم بأنه (عمل بلا تفكير وعملية لنزع سلاح التعليم,,).
ولما كان من رأيهم أنها الحرب من اجل التربية ,, استمروا في الإجابة,, وبصدق! وذلك أنه في البدء ,, ينبغي ان تكون الحقيقة,,!!
قالوا: ,,, (إن الطلاب الامريكيين لم يحصلوا على المرتبة الاولى ولا الثانية في تسعة عشر اختبارا للمواد الاكاديمية, وان ترتيبهم بالمقارنة مع الدول الصناعية جاء في (المرتبة الاخيرة) في سبع مرات اجريت فيها الاختبارات,, !! هذه واحدة ولما سألوا انفسهم ثانيا عن مستوىالكفاءة الوظيفية,,؟
قالوا,,: إن هناك 23 مليون امريكي يعدون (أميين) من الناحية الوظيفية, كما اظهرت ذلك اختبارات: (القراءة) و(الكتابة) و(الفهم),, وهذه الثانية,,!!
ولما سألوا (أنفسهم) ثالثا: عن مستويات تحصيل طلابهم؟
قالوا,, ولم يخجلوا,,!! إن أغلب نتائج الاختبارات الموضوعية المقننة اظهرت ان المستوى (اقل) مما كان عليه منذ (26 عاما) حين أطلق القمر السوفيتي سبوتنيك,,!
وهذه الثالثة.
فلما سألوا أنفسهم رابعا,, عن الموهوبين منهم,,؟
اكتشفوا,, وكشفوا ان اكثر من نصف هؤلاء لا يحققون مستوى تحصيليا في المدارس يتفق مع ما اظهرته الاختبارات حول قدراتهم (تأملوا,,!!).
وقد سألوا انفسهم خامسا عن مواد (العلوم والرياضيات).
فذكروا عجبا,, قالوا: (إن الاختبارات التحصيلية لمجلس الكليات C.B.A.T. أظهرت انحدارا مستمرا في السنوات الاخيرة في العلوم والرياضيات؟؟
فلما سألوا أنفسهم سادسا عمن يمتلكون (المهارات الفكرية الرفيعة) ممن هم في سن السابعة عشرة؟ أجابوا بالآتي:
40% منهم لا يستطيعون الاستنتاج من مادة مكتوبة.
20% من هؤلاء فقط يستطيع كتابة موضوع بشكل مقنع.
30% يستطيع ان يحل مسألة رياضية تتطلب عددا من الخطوات.
وسألوا أنفسهم,, وسألوا انفسهم,,! وأجابوا,,, ثم أجابوا,,! ولم تتوار الاجابات ولم توار,,,,! ودليل ذلك أنهم ذكروا في نهاية تقريرهم أمرا مفزغاً بحق,, ولكنه الفزع الذي يحث على يقظة العلاج.
لقد قالوا ان 10% من قوة العمل لدينا تعاني من إدمان الخمور,, كما ان هناك عددا غير معروف يعاني من آثار المخدرات,,!
اما تكاليف هذا الإدمان في الخمر والمخدرات فتحتاج من بعد ألم عميق الى تأمل طويل فعدا الإهدار الإنساني الشامل الخلقي والعقلي فإن الإهدار المالي بالغ الجسامة.
إن المبلغ المهدر 62 مليار دولار ويكاد يساوي ميزانية كاملة لدولة غنية,, وهذا المبلغ يحوي فيما يحويه,, (مصاريف العلاج + تعويضات غياب عن العمل).
إن النمط الاخلاقي والاقتصادي السائد في العالم اليوم قد ادى فيما ادى الى وجود بلايين من العاطلين والأميين والجوعى.
وإنه على حين يبلغ متوسط الانفاق العالمي للجندي الواحد 19,300 دولار فإن متوسط الانفاق العالمي للتلميذ لا يزيد عن 380 دولاراً.
فهل يمكن ان نتخيل ما يعنيه مبلغ يناهز 62 مليار دولار تهدر سنويا من (اصحاب الكيف) في اميركا وحدها,,!؟؟
وهل نتصور ماذا يمكن ان يعني إذا تحول هذا الرقم الى مدارس وجامعات تلمع فيها الجباه المتعلمة المتوضئة,, او الى اراض مستصلحة في افريقيا,, او آسيا تتلألأ بسنابل ذهب القمح تطعم من جوع وتؤمن مخاوف المستقبل,,!
وكيف يتغير بها الوجه القبيح لعالم جائع,, متبطل,, تعصف به الجهالة؟
في هذه القرية العالمية السابحة في الفضاء دون ان تظلها رحمة الله ممثلة في الاصغاء الكوني الحقيقي لرسالاته؟ وبعيدا عن غطرسة وحماقة استخدامات القوة.
* * *
هذا وبرغم ما استشعره من أهمية التقرير البالغة والذي اختار له واضعوه هذا الاسم (امة معرضة للخطر).
إلا إنني على يقين ان ما هو اهم من التقرير: هو (الروح) التي أملته والقلق العميق الذي حركه!
ثم,, (الحراسة) التي قدمت له و(الحماية) التي شملته ليصل بنفس الصدق الذي دوِّن به الى الامة التي كتب عنها ولها,.
لماذا؟,,, ليستفزها بطبيعة الحال لأداء واجبها,,!
وهذه حالة أخلاقية,, وتحتاج لتربية لصلاح أي أمة ترى نفسها معرضة للخطر,,! كيف يتمكن (القوي) أو من (يرى) نفسه في موقع القوة من رؤية معايبه وأخطائه وقصوره,,!! هذه هي القضية,,.
وهنا تبرز اهمية الذين يقفون من هذه الامة او تلك عند مفترق الطرق يلقنونها ويطالبونها بالتوقف ومحاسبة النفس ورؤية (الاخطاء) و(الاخطار),, وإجراء معادلات القوة الصادقة.
في كتابه (غطسة القوة) يحذر السناتور الامريكي المعروف وليم فولبرايت اميركا من عدم الإبصار الدقيق لجوهر قوتها,, إنه يقول:
(إن اميركا) تمر الآن بالنقطة التاريخية التي تصبح فيها الامة الكبيرة (عرضة لخطر) فقدان الرؤية المنطقية الصادقة, ولقد طمحت أمم كبيرة بلغت هذا المفترق الخطر، في نيل الكثير فأسرفت ثم هوت بما تورطت فيه من جهد فاق كل حد.
وفي الوقت نفسه فإن الآمال تحدوني في ان اميركا سوف تتمكن من الافلات من (إغراءات القوة القاتلة).
ثم يستطرد محذرا (إن حماقة القوة وغطرستها هي التي حدت بالانجليز في القرن التاسع عشر الى افتراض أنهم عندما يصيحون باللغة الانجليزية في وجه أجنبي فلا بد ان يفهم,,!!) ثم إنه يبدي تخوفه من اعتبار (القوة هي البرهان النهائي على التفوق، عندما يظهر لأمة ان لديها (الجيش الاقوى) فتتصور ان لديها (الشعب الافضل) و(النظم الفضلى) و(المبادىء السامية)!
ثم هو يأمل ان تجد مثل هذه الامة القوية (من الحكمة ما يصبح ندا لقوتها)، وهو يرى ان (الولايات المتحدة قد أخذت تدريجيا في إظهار دلائل غطرسة القوة التي أذلت وأضعفت امما عظيمة في الماضي,, بل سحقت بعضا منها,,!!
مثل هذه الكتابات هي بمثابة (نواقيس كبرى) تدق دوما في افهام الامة التي تحاول استمرار المحافظة على قوتها,, وهي التي تغذي روح النقد والفحص والمراجعة وتكبح جماح الامة,, أي أمة من النظر العكسي في (منظومة القوة),,؟؟ فلا تسمح لنفسها, أن تصدق الوسواس الخناس إذا القى في روعها بوسوسته.
(أنا أمتلك جيشا قويا إذن فأنا الافضل,, (شعبا) و(نظما) و(مبادىء),,!
نعوذ بالله من الوسواس الخناس ان يداهم تصوراتنا لأنفسنا في هذا المجال,, او ذاك من شؤون أمتنا.
هذا,, وما يقوله (وليم فولبرايت) في غطرسة القوة هو من صميم عمليات ادارة التربية او تربية الادارة بوجه عام وهنا تتلقى تلك الامة جائزة مردود مثل هذه التربية متمثلا في (استيقاظها المبكر) عندما أصابتها حمى السبوتنيك 1958 1969 ويتمثل في تقريرها الاخير بمواجهتها للتقاعس والانحدار بعد مرور خمسة عشر عاما من موقفها السابق,, هذا الموقف النقدي في النهاية ألا ترونه يستحق التأمل,,!! الا يستحق الانتفاع به,,!!
ترانا لم نزل نؤمن أن الحكمة ضالتنا,, وأننا أنى وجدناها فنحن أحق بها؟
* * *
رغم مضي اكثر من عشرين عاما اليوم على هذه الحادثة فلم استطع نسيانها قط ولم اتجرأ ان امحوها من ذاكرتي.
بل لقد كان لها من الحضور الدائم في نفسي ما دفعني لكتابتها والحديث عنها,, إنها صورة قديمة احيتها الذاكرة لوزير الدفاع الياباني آنذاك وقد طيرتها وكالات الانباء راكعا,,!
وبالأدب الياباني المشهور بجوار بعض أسر ضحايا حادث اصطدام طائرتين يابانيتين إحداهما عسكرية والأخرى مدنية في سماء اليابان.
وكان يسألهم العفو والمسامحة,,! الصورة كانت نموذجا إنسانيا يستحق التوقف ولا اظن ان المسئولية الحقيقية تطال مثل هذا الوزير عن مثل ذلك الحادث لطائرتين ضلت إحداهما,, أو كلاهما طريقها,, فاصطدمتا,, فكان ما كان,.
ولكن الرجل,, وقد هاله ما حدث من فقد لأرواح بشرية غالية,, وتهشم لضحايا,, وأسى ولوعة في اسر عديدة,.
رأى ان مسئولية قائمة,, وانها تغطي الحادث بشكل أو بآخر.
سواء تجسد ذلك في نقص لتدريب طيار,, ما كان يجب ان ينقص,,!! أو بعطل,, أو تخلف في أجهزة,, ما كان يجب ان تتعطل او تتخلف,,؟؟
او حتى (بمسئوليته الشاملة) ولو تحت عنوان عصري: (ان لو تعثرت طائرة بسماء اليابان لظن أنه المسئول عنها,, لِم لَم يوفر لها الاعداد التقني اللازم,,!!
قاعدة عظيمة,, سبق ان غرسناها في حنايا اضلعنا في تاريخ مضى,, ومازالت تتردد لليوم فوق منابرنا,,!
من هنا,,, أظن أنه ذهب,, فركع امام اسر الضحايا في هذه الصورة التي اشهد أني لم استطع نسيانها رغم مرور تلك السنوات العشرين او اكثر.
اقول هذا ولا ازعم ان الامر قد اقتصر هناك على صحوة ضمير لوزير او غفير ولا اظنكم تعتقدون ذلك,,!؟ اذ لابد لهذه الاحاسيس والتصرفات من (حراسة للرأي العام) قائمة تتلقى الحادث,, اي حادث,, فتزنه,, وتحكم له,, او عليه.
وإذن فالصواب القومي,, او الموقف القومي الصواب,, سواء ايام السبوتنيك او في التقرير الامريكي الاخير,, أو في موقف ذلك الوزير الياباني,, في هذا البلد,, او ذاك في دنيا الله الواسعة.
إن هو الا محصلة لأكثر من طرف,, وطرف واع,, على قسط من التربية وافر! وإذا ما صرح مسئول كريم في موقع كريم من مواقع تاريخنا العزيز قائلا عن عمله: (إنني وليته,, ولست بخيركم,, فإن وجدتموني على حق فأعينوني,, وإن وجدتموني على باطل فقوموني,,) ثم جاءه الرد المكمل للمعادلة الصعبة المرهقة (لو وجدنا فيك اعوجاجاً,, لقومناه,,!!).
كانت هذه معادلة تربوية متلألئة حارسة,.
إن حراسة اهداف الامة التربوية تستدعي عمليتين هما وجهان لعملة واحدة.
ان يعتقد المسئول كل مسئول (وكلنا مسؤولون) في خاصة نفسه وأمام الناس,, انه ليس بخير من تولى الامر الذي هو فيه! وليس بخير من يليه,, في الحاضر,,! وليس بخير من سيليه ممن هم في ضمير المستقبل,,!!
فإذا اعتقد ذلك جازما,, مؤمناً به,, داخله الظن والظن هنا فضيلة وليس إثما باحتمال ورود الخطأ والتقصير والبطء وعدم الاتقان عليه,, ومن هنا يكتمل الشق الثاني,, بالاقبال عليه وممارسته عمليا من ناس كل موقع,, وأي موقع بتقويم الاعوجاج أنى وجدوه,, ومهما بلغ مقداره,, وبغض النظر عن مصدر الاعوجاج,,!! وموقعه في الخريطة الادارية التربوية علا ام تدنى,,,,؟؟
إن المعادلة التي نشدو بها ونحكيها لأطفالنا,, ونتوارثها جيلا بعد جيل مسطورة في كتب المطالعة وغيرها,, لا أظنها قد استلفتت احدا من اهل ذاك الزمان حين وقعت ولا هي جلجلت اصداؤها في اجهزة اعلام ذاك الزمان الفاتن أعني انه حين يقوم الخليفة او المسئول يعلن للناس أنه ليس بخيرهم,,! فيرده واحد من عامة اهل المسجد لم يتواتر ذكر اسمه من بعد,, بقولته: (والله,, لو وجدنا فيك اعوجاجا,,!!).
في هذه المعادلة الصحية في مجتمع متعاف يتخذ النقد طريقة لغايته مقوما ما اعوج من الامر,, او الامور,, دون ان تحمر لذلك الأعين او الانوف او تستشيط له الدورة الدموية غضبا,,! وإنما تقبله النفس كل نفس عن طيب خاطر لأن التصور الحضاري الأصيل هنا راسخ بحقيقة الدور الإنساني بحدوده وقصوره فهو دور واضح متواضع,,!
يحس معه (كل) من ولي امراً من امورنا ان اجتثاث الخطأ من هنا,, واقتلاع القصور من هناك,, ليس (عملية جراحية) تقتضي منه نقصا في قدم او ذراع يهب فيه في حالة دفاع شرعي مستميت عن النفس,.
وإنما على العكس من ذلك هي اهداء حقيقي لذات نفسه,, وترشيد لعمله,, وإنجاح له, ثم للامة كلها من بعد ذلك.
أترانا لم تزل تلك المقولة الرشيدة من حكمنا المأثورة,, سارية المفعول؟
طوبى لمن أهدى إلي عيوب نفسي,,؟؟
* * *
لقد قرأت هذا التقرير (أمة معرضة للخطر) فأصابني بالدهشة حينا,, وبالتعجب حينا آخر,, وغلبني التأمل ثم الإجهاد اكثر الأحيان ذهابا وإياباً مقارنا بين أحوال امتنا وأمتهم؟؟
ولعلكم تقرؤونه فتشاركونني فيما احسست,.
وأرى من واجبي ان احرضكم اليوم وبعد اليوم,, على قراءته وتأمل (الروح) التي أملته,, (والقلق) الذي بثه في عروق الامة خوفا على مستقبلها,,!!
فهؤلاء القوم يرون ان امتهم امام (منافسين) ذوي تصميم واضح وثقافة جيدة ودوافع قوية,, وان المنافسة حول المكانة العالمية والاسواق لا يهدأ ,,, وان تسويق المنتجات والسلع مجرد نتيجة,, وان المنافسة الحقيقية والحرب إنما تدور في الخطوط الخلفية في المختبرات والمصانع,, والاهم من ذلك في (الافكار) التي تقودها,.
وان (عالم الافكار) تكمن خمائره في المدرسة والجامعة.
ولقد نظروا وراءهم اي الى التاريخ فوجدوا ان التاريخ لم يرحم الكسالى,,؟؟
فكل الحضارات والدول العظمى التي بزغت زمنا ما,, افلت وطواها التاريخ وهذا الافول لما افلت منهم الفهم الصحيح الصحيح لمعادلة القوة!
صناعة القوة.
المحافظة على القوة.
تعاظم القوة.
استخدام القوة,, في المكان والزمان وبالكم والعدالة الواجبة,,!!
ان (القوة العمياء) تميل الى الفساد والعفن والاضمحلال.
ولذا تراهم لا يبالون ان ينصب النقد على الاخطاء فيأتي لاذعا مرة مُراً مرة اخرى، ساخراً مرات كثيرة، وعميقاً في أغلب الأحيان,,!
وهم لا يجفلون اذا ما وصفوا (الديكور التربوي) في نظامهم التعليمي,, وهم واضعوه,,!! وينتقدون الجري اللاهث وراء (التجديد من أجل التجديد) ولو على حساب إبعاد اساسيات لازمة او بتغيير موقع هذه الاساسيات.
ويسخرون من مناهج تجري على نظام (الكافتيريا التعليمية) تحل فيها المشهيات محل الاطباق الرئيسية!!
وهم يبدون المهم لشطحات التطرف في (نقل كل جديد),, حيناً,,, وفي (رفض كل جديد),, حينا آخر.
* * *
هذا,, ولقد توقفت طويلا,, وأعجبني,, انهم رفضوا,, ان يقدموا اضحية ويجعلوها سببا لأخطائهم رفضوا أن يحولوا (المدرس الى (شماعة),,, أو (ضحية),, أو (مهرب),, فيحاصره الجميع,, باسم الجميع.
بل قالوا: من منا بلا خطيئة فيما وصل اليه نظامنا التعليمي فليرمه بحجر,,!
وبدلا من ذلك نظروا الى (المدرس),, وتأملوه بهدوء، وبحثوا فيما ينقصه,, وما يزيد عليه,, ناقشوا (راتبه),, فوجدوا أنه لا يكفيه,, ولا يشكل حافزا يجذب الممتازين.
,, وقد يدفع به لأعمال اضافية تنقص كفاءته في عمله الأساسي,.
كما لاحظوا ان مهنة التدريس قد اجتذبت شريحة ضخمة من الربع الادنى اكاديميا من خريجي المدارس الثانوية,, وإذن فهي (ثغرة) تحتاج لعلاج,,!!
كما ان منهج إعداد المعلم قد اثقل بمقررات غير متوازنة وعلى حساب مواد التخصص,, والاخطر من ذلك (الانضباط) في الفصل الدراسي,, فكيف يؤدي المدرس واجبه وبالاتقان الذي نريده,, وفي الطلاب من يفتقد الدافع الى التعلم,, وفيهم من لديه اتجاه الى (العنف),, غير سهولة الحصول على المخدرات,, وآثار التلفاز والفيديو؟؟ وانتشار اخلاقيات العالم السفلي,, من عصابات الشوارع والمجرمين,,,!
ثم تساءلوا عن حقيقة اعباء العمل الروتيني والكتابي الذي يلتهم جزءا ثمنيا من وقت المدرس كان الاولى ان يتوجه الى التدريس,, ثم إنهم بحثوا في النقص الحاد في نوعيات المدرسين المتخصصين في تدريس الموهوبين,, وكذلك المعوقون.
وثم إنهم تبينوا ان 50% من المعلمين الجدد المعنيين بمواد العلوم واللغة الانجليزية والرياضيات غير مؤهلين لتدريس تلك المواد.
* * *
وكما ترون,, فإن العالم,, يضج بالحركة,, إنه يقاتل من اجل التربية,, لأنها الطريق لصناعة قوته او ترميم ما تصدع منها.
إن علينا ان نعرف احتياجاتنا من فروع المعرفة المختلفة.
إنه لا يمكن لنا في عصر تداعت فيه الامم علينا كما يتداعى الاكلة على قصعتهم,, ان تتحول النخبة عندنا الى البرجية العلمية تجري بها الأبحاث والأفكار في امور بعيدة عن واقعنا، المحاصر,, ومستقبلنا الملغوم.
فهل ترانا بعد كل ذلك,, نسعى لكتابة (تقرير صادق) عن حال تعليم امتنا العربية لأمتنا,, وهل يمكن لنا حراسته حتى يصل بنفس درجة الصدق التي كتب بها,,؟
ألم يئن للذين يخافون على مستقبل أمتهم ان يتخذ كل موقعه في خندق من خنادق الجبهة التربوية,,؟؟
وان نشعر انه وان اجتمعت مؤتمراتنا وندواتنا في اريج ونعومة الفنادق,, الا ان عقولنا وقلوبنا وعيوننا ينبغي ان نحتفظ فيها بروح الخنادق,, الخنادق التي تعيش فيها امتنا؟
والله من وراء القصد والهادي الى سواء السبيل.
* حمى السبوتنيك التي اجتاحت الولايات المتحدة عام 1958م وما ترتب عليها من مراجعة الأنظمة التعليمية وتغيير قانون الجنسية وكان من ضمن ما أدت إليه زيادة عدد العلماء المهاجرين إليها من مختلف أقطار الارض ثم ما حققته بعد ذلك من استرداد تفوقها ووصولها للقمر في يوليو 1969م.
|