Saturday 8th January, 2000 G No. 9963جريدة الجزيرة السبت 2 ,شوال 1420 العدد 9963



يارا
ما الذي يقف وراء الباب؟!
عبدالله بن بخيت

لعلّي أعترف بأني لم أحقق كل ما كنت أحققه في أشهر رمضان منذ أن وعيت على العالم, ففي كل رمضان أجد الفرصة الكبرى لانجاز كثير من المشاريع المؤجلة التي تتطلب وقتاً خاصاً بعيداً عن الناس, ومن أهم هذه المشاريع هي مشاريع قراءة الكتب المؤجلة, رغم ان الجو في رمضان في هذا العام من أفضل الأجواء التي مرت في حياتي, لا حرّ ،لا قرّ ولا ظمأ ولا إحساس بالجوع، بل بالعكس كان الصيام يشعرك بالمرح والنشاط, وعندما حللت الأمر وجدت ان تقاعسي يعود للإنترنت, فالإنترنت هي كما يقول المثل القديم (كثر الصيد على خراش فما يدري خراش ما يصيد), وهي ما يمكن ان أسميه الخيار اللانهائي الذي يشبه في عرضه وتنوعه انعدام العرض بالكامل, فالذي يمنحك مليون خيار هو في الواقع لا يمنحك خياراً حقيقياً, لأنك لن تجد الوقت الكافي لاختبار الخيارات, والمشكلة مع خيارات الإنترنت أيضا أن خياراتها لا تقدم في حزم متشابهة أو متناسقة، بل في فوضى عارمة يصعب السيطرة عليها, ففي حال دخولك على موقع للفن والرسم يعترضك إعلان عن موقع يقدم لك نقاطا معينة تهمك جداً عن الصحة, وإذا انتقلت من باب الإطلاع إلى الموقع الصحي يعترضك إعلان يدعوك لزيارة موقع يعرض أمامك قضية حاسمة تخص الاكتشافات في الكون, وإذا انتقلت إلى موقع الكون ستجد أمامك مجموعة من الخيارات عن احدث الكتب, وعندما تنتقل إلى موقع الكتب وتبدأ في التصفح ستجد أمامك اعلانا مغرياً عن المكالمة الدولية على الإنترنت بأقل كلفة, ومن موقع إلى آخر مضافا إلى هذا بطء الشبكة وانقطاعاتها المتكررة, فأنت تدخل الشبكة بكل الحماس محاطا برغبة جادة لوضع نظام صارم لا تحيد عنه وتقسم إلا تحيد عنه، ولكن فجأة تجد نفسك تنزلق أمام الإغراءات التي يقدمها التنوع وحتى إذا قررت أن تستخدم نظام الحفظ في قائمة المفضلات ستجد ان هذا النظام يصلح عندما تكون المواقع وعددها تحت السيطرة, فلا يمكن أن تضع في سجلك أعداداً لا نهائية من المواقع التي لن تملك الوقت لزيارتها والشيء المهم أيضا أن الشبكة تقدم لمتصفحها كل احتياجاته وليس احتياجاته البحثية أو الثقافية على سبيل المثال, فعندما تلج الشبكة تجد كل احتياجاتك الاساسية والفرعية والمنسية بين يديك بطريقة يصعب الحكم عليها، هل هي فعلا تلبي احتياجاتك أم أن هناك وهما يحيط بها, عندما تدخل فيها لا تفكر بالطريقة التي تفكر بها عندما تكون خارجها فأنت تعيش في الواقع في عصر آخر وثقافة أخرى وتفكر بطريقة مختلفة وستلاحظ ان العلاقة مع عالم الواقع ليست دائما قائمة على مفاهيم الواقع نفسه، فهناك تشوش كبير يتنامى مع ترددك وزياراتك للشبكة لأنها تصبح كمنزلك المرصود في الأوهام, فأسئلتك ستجد اجوبتها فوراً وبشكل حاسم ولكن هذا الوهم يتلاشى بعد إغلاقك للجهاز لتريح عيونك أو لترتاح بالعودة قليلاً للواقع فهي كاللجوء لأحلام اليقظة من الصعب التخلص منه.
في كل رمضان عرفته وعرفت فيه القدرة على القراءة كنت أقرأ ما لا يقل عن ستة كتب من الكتب التي تهمّني فعلا ما عدا رمضان هذا العام فرغم الجو ورغم توفر الكتب الجيدة لم أقرأ العدد الكافي والأسوأ أنني لم أفكر بجدية في قراءة الكتب.
ما الذي يمكن ان يحدث عندما تصبح الانترنت عالمية فعلا تتداخل فيها الشعوب بشكل ايجابي؟ ما الذي يمكن ان يحدث إذا بدأت تقنية الترجمة الإلكترونية التي تغني عن معرفة اللغة الاصلية التي كتب بها النص؟ ما الذي يمكن ان يحدث للعالم إذا بدأت الانترنت الفائقة السرعة تحل محل هذه العجوز الثقيلة؟ ما الذي سوف يحدث عندما تنهار آخر قلاع الرقابة؟ من تجربتي القصيرة أحس ان هناك خطراً حقيقياً لا على القيم ولا على الوطنية والثقافات التقليدية فحسب، ولكن على شيء يتصل بأهم معقل من معاقل الإنسان وهو الشخصية أو الاحساس الشخصي باليقين.
كل عام وأنتم بخير.
لمراسلة الكاتب:
yara2222*hotmail.com

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الاقتصادية

عيد الجزيرة

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.