الاستاذ اسماعيل شكري من مثقفي فكر ونقد، وكلية الآداب والعلوم الانسانية، ومجلة دراسات مغاربية,, وكل ذلك بالمغرب الشقيق,, عبَّ وارتوى من جون كوهن، وياكبسون، وتودرون، ودانييل دولاس، ولوتمان، ولاكوف، وبلنوشي,, إلخ,, إلخ.
وتفرنج ما شاء الله له ان يتفرنج حتى كان هو وعشرات امثاله من النخب الثقافية في عالمنا العربي,, وهو تفرنج لم تكن ميزته: انه يغطي حاجة امتنا في الطب والاحياء، او الادارة والسياسة والاقتصاد، او الصاروخ والذرة، او تصحيح التصور وتقويم السلوك بفكر فلسفي وعلم رباني,, او يسد نقصا في جماليات الآداب والفنون وأمشاج الثقافات (ولاسيما الجوانب النظرية من الحقول العلمية)، او يسهل إضافات عالمية في الحقول المعرفية جاءت معقدة عند العلوج، فسهلتها النخب العربية وأشاعتها,, كلا,,!! إنها هلوسات نسبت ظلما الى اللغة والبلاغة، وعرضت برموز رقمية وأبجدية وأشكال هندسية,, وهي ليست حسابا ولا جبرا ولا رموزا اصطلاحية ولا معطيات هندسية,, مع تعقيدات واصطلاحات لا يحصيها العد، ولا تقتنص مفهوما محددا,, وفي النهاية لا تظفر بعلم ابستمولوجي او استاطيقي او احساس جمالي ساذج,,! إنما تظفر به دعوى على اللغة والنقد والبلاغة وعلم الدلالة والمعرفة المنطقية والجمالية.
ويقول العقلاء: تفسير الواضحات من المشكلات,, وهؤلاء يأخذون دعاواهم من الواضحات فيطلسمونها بما أسلفته من مصطلحات ورموز وأشكال,, والعجيب ان المصطلح عنوان لفكرة او معارف وأفكار، وهؤلاء كل لغتهم مصطلحات، فالمفردة ليست اصطلاحا على جمل، ولكنها اصطلاح على معنى المفردة بدلا من المعنى المعجمي.
قال ابو عبدالرحمن: وسيعظم الله ان شاء الله اجري بمعاودة قراءتي لبحث نقد مفهوم الانزياح للاستاذ اسماعيل شكري (1) في شهر رمضان المبارك حتى كدت أتهم فهمي بالغباء، وثقافتي بالسطحية، ولغتي بالعقم,, وانتهيت الى الاحاطة بالهلوسة وما وراءها,, وحسبي هذا الاسبوع ان اقدم لكم جزئية من هلوسة الانزياح متناولا لها بأسهل تفهيم على التدرج والترقي من الواضح الى المعقد الى المغلق الذي لا يعني شيئا الا الهلوسة والتمعلم وابتغاء مكان في برج نخبوية الرماد والريح.
واليكم البيان, تقول: نهاري ليل.
ويمكن ان تشتق من هذه الجملة دلالات عديدة، فتقول في سياق السجن: زنزانتي مظلمة.
وتقول في سياق العمى: حياتي مظلمة.
وتقول في سياق الحزن: حياتي مظلمة.
ويقول ابو القاسم الشابي:
أيها الليل يا أبا البؤس والهول (م) أيا هيكل الحياة الرهيب فيك تجثو عرائس الأمل العذب (م) تصلى بصوتها المحبوب |
الوحدتان المعجميتان: الليل، والعرائس,, ولك ان تشتق من الوحدتين دلالات الهول، والخوف، والامل، والعذوبة، والفرح.
قال ابو عبدالرحمن: لا أتعجل بأن اشتقاق الدلالات البلاغية جبلة بشرية، وثراء في المأثور العربي عاميِّهِ وفصيحه، وثقافة تلقائية,, وإنما حسبي ان اعنتكم مأجورين إن شاء الله لتفهم فلسفات التعقيد والفراغ، فإليكم البيان ايضا وكل ما اذكره فهو بلغة يقولون:
يقولون: نهار وحدة دلالية ذات حقل معجمي,, أي دلالتها من المعجم اللغوي النقلي.
وليل وحدة دلالية ذات حقل معجمي,, أي دلالتها من المعجم اللغوي النقلي.
والحقل المعجمي في الوحدتين يتوفر على مقومات (2) خاصة مثل + نور (3) بالنسبة للنهار، و+ ظلام بالنسبة لليل.
وللوحدتين مقوم عام مشترك هو + زمان.
الوحدتان جملة، والجملة حاملة لتناقض ظاهري هو اللاتشاكل بين الوحدتين,, اي التناقض، لأن كل وحدة تنتمي على الاقل الى استبدال ادنى مخالف للآخر (4) ,, وقد اسلفوا ان البنية العميقة للجملة علاقة التناقض القوي، لأن نفي النهار نتج عنه الليل.
إذن لا تشاكل بين ليل ونهار، لأن إثبات واحد نفي للآخر ولابد,, إلا ان هذا اللاتشاكل يُحدث تشاكلا؟!,.
وتقول: كيف يكون ذلك؟,, فيقولون: نوجد جملاً من هاتين الوحدتين تدل دلالتهما، وهذا نص عبارتهم: إن تعدد التشاكل ناتج عن تشاكلين أو أكثر، ويؤشر على توفر الوحدات الدلالية على مقومات ضمن إطار عدة ميادين او عدة أبعاد ,, ولا يعني تعدد التشاكل غموض الرسالة، او فقدانها لخاصية الانسجام (5) ، إذ ترتبط هذه التشاكلات المتعددة بعلاقة انفصال (تناقض، او تنافر) (6) ، وهي العلاقة التي نعتها كوهن بالانزياح الدلالي (7) ,, أو (8) بعلاقة اتصال، او بعلاقة تضمن.
فإذا كانت المقومات المحققة للتشاكل او المتكررة (9) مرتبطة بعلاقة الانفصال: فإنها تكوِّن التشاكل المتعدد بالمعنى الدقيق للكلمة,, اما إذا كانت مرتبطة بعلاقة اتصال او تضمن: فإنها تكوِّن مجموعة تشاكلات او شبكة من التشاكلات -.
وفي كل الحالات فإن النواة الاساس هي اللاتشاكل التي ينطلق منها المؤول ضمن استراتيجية، لإعادة تقدير الوحدات الدلالية,, اي ضمن منظور بناء التشاكل بواسطة التصحيح,, ومن هنا نقترح التمييز بين جهات التشاكل المتعدد (10) .
قال أبو عبدالرحمن: نعود إلى عبارة نهاري ليل وأخواتها، لنحللها، ونربطها بمصطلحاتهم وعباراتهم الفخمة,, إن كلمة نهاري تميزت عن ليل، لأنها مضافة الى ياء المتكلم، فصارت مؤشراً على الذاتية في الجملة.
قال أبو عبدالرحمن: الذاتية في نهار نصاً، واكتسبت الجملة الذاتية بدلالة اخرى لم يذكروها، وسأذكرها إن شاء الله في مناسبة نقدية، وغرضي هاهنا إعطاء التصور فقط.
وهذه الذاتية عندهم تقود التأويلَ إلى اختيار سياقات ذاتية مختلفة كالتالي:
1 زنزانتي مظلمة.
قال ابو عبدالرحمن: لا يغب عن بالك فيما بعد أن تسأل عن معنى التأويل هاهنا، وما معنى الاختلاف، وهل هناك اتفاق او تقارب من اوجه أخرى, وبالمقارنة بين الجملتين: يرون ان زنزانتي مظلمة سياق لمعنى السجن، والزنزانة موضوع، والظلام محمول.
والزنزانة والظلام وحدتان غير معجميتين، لأن الظلام معنى غير معجمي للزنزانة على سبيل التناقض بخلاف الليل فهو معنى معجمي للنهار على سبيل التناقض.
والموضوع الزنزانة سينتقي مقوِّمات المحمول للنهار (الليل)، وهو الظلام.
والظلام مقوِّم عرضي في الزنزانة، لأنها قد تكون غير مظلمة,, ولكونه مقوِّما عرضيا فهو مقوِّم إيحائي,, والظلام مقوِّم جوهري في ليل، لأن الليل ظلام,, إذن سياق هذه الجملة انتقاء من المقوِّم الجوهري إلى المقوم العرضي,, أي الانتقال بالانتقاء من الجوهري إلى العرضي.
وقد مر أنه لا تشاكل بين ليل ونهار، ولكن بهذا السياق حققنا تشاكلا بين جملتي (نهاري ليل)، و(زنزانتي مظلمة).
وذكروا ان المقوِّم العام المشترك بين الليل والنهار هو الزمان، فهل يعني هذا ان المنتقى من المحمول لابد أن يكون عرضيا؟!,, ليكن هذا على بالك الآن وحسب.
واستخراج جملة زانزانتي مظلمة سياقا آخر لجملة ليلي نهار على سبيل التشاكل يسمى تصحيحا، لأنه أعاد تأويل النهار بالزنزانة بانتقاء النهار الموضوع أحد مقومات المحمول الليل ، وهو النهار.
وهذا التصحيح يسمى أحادي الاتجاه، لأنه تأويل للموضوع دون عكس.
وهذا التصحيح تأويل رجعي، لأننا انطلقنا من المحمول (الوحدة الثانية) الى الموضوع الوحدة الأولى ، فكان هذا رجوعا من الثاني إلى الأول!!.
والتناقض الذي أسلفته بين ليل ونهار صفته أنه البنية العميقة للجملة.
وهذا التصحيح الأحادي سواء أكان رجعيا ام تقدميا يوصف بالجهة المتراكبة الأحادية.
والجهة المتراكبة هي التي تؤشر على زمن التراكب بين التشاكلات المحتملة لنفس الوضع، المبنية بواسطة التعدد المعنوي، وهي نمطان: الجهة المتراكبة الأحادية (وهي ما نحن بصدده)، والجهة المتراكبة المزدوجة، ويأتي للحديث عنها إن شاء الله مناسبة.
والجهة المتراكبة بقسميها هي التشاكل المتعدد الموصوف بمواطئ الجهة البلاغية!.
وما قبل المواطئ من تسلسل في الاصطلاح والتقعيد أتركه لمناسبة خاصة حتى لا تعظم عليكم المتاهة.
2 حياتي مظلمة ,, والكلام عنها نفس الكلام عن الجملة السابقة زنزانتي مظلمة ,, ولكن الانتقاء انتقل من المقوِّم الجوهري إلى المقوِّم الجوهري,, لأن السياق عن العمى، والظلام مقوِّم جوهري للأعمى، وهو جوهري في النهار على سبيل التناقض كما سبق.
3 حياتي مظلمة: ولكنها هذه المرة سياق للحزن، وإذن فالانتقاء انتقل من العرضي إلى العرضي، لأن الكآبة عرضية في النهار وفي الحياة.
قال أبوعبدالرحمن: إنني أتعامل بأمانة مع قاعدة حكمك على الشيء فرع عن تصوره ,, وخبالات البنيويين والتفكيكيين أجمل أحوالها أنها عبث وتمظهر بثقافة جديدة,, ولكنها ثقافة الهباء،,, ودعك الآن من الأحابيل الإبليسية، والمقاصد الذميمة حتى لا يؤكد أمثال الاستاذ اللاذقاني وصفي بأنني مبشر خطير !!,, فإلى محاكمة نقدية عادلة، والعدل حبيب الله.
* الحواشي:
(1) مجلة فكر ونقد/ السنة الثالثة نوفمبر 1999م العدد 23 ص 109 122.
(2) الافصح: تتوفر فيه.
(3) علامة زائد + وأمثالها من الرموز والأشكال لغو ليس له أي مفهوم علمي.
(4) لم يوفق في التعبير بهذه الجملة، ويأتي إن شاء الله بيان ذلك في مناسبة نقدية لأمثال هذه الهلوسات.
(5) هذا تقعيد آخر تأتي له إن شاء الله مناسبة تصورا ونقدا.
(6) التنافر غير التناقض، ولكن هؤلاء القوم لا يفقهون فكرا.
(7) الحكم كما مر في التعليقة رقم (5).
(8) وهي ما ستأتي إن شاء الله مناسبة للحديث عنها في الكلام عن الجهة المتراكبة المزدوجة.
(9) يعني علاقة التضمن، ويأتي بيان ذلك إن شاء الله.
(10) مجلة فكر ونقد ص 116.