تشارك المملكة العربية السعودية الدول العربية في الاحتفال باليوم العربي لتعليم الكبار الذي يصادف الأول من شهر شوال 1420ه الموافق للثامن من يناير عام 2000 ويطل اليوم العربي لمحو الامية وتعليم الكبار والعالم أجمع يحتفل أو يتحدث أو يقلق أويراقب السنة الميلادية الجديدة، ألفيتها المرتقبة,, يأتينا اليوم العربي لتعليم الكبار عام 1420ه الموافق لعام2000 وسط هذا الشد والجذب والحرص والانتباه والتضخيم والتفخيم للسنة الميلادية الجديدة فهل هناك رابط وعلاقة بين الكبار وبين هذه السنة الجديدة وما تأثير الكبار فيها ومادور العربي المسلم الكبير في هذه السنة وماهي أوضاع تعليم الكبار عام 2000 وهل وضعت خطط عربية اما مشتركة أو فردية لمواجهة مايسمى بالألفية الثالثة وهل هناك استراتيجيات قريبة أو بعيدة المدى تعنى بهذا الجانب؟ هذه بعض التساؤلات نحاول الإجابة عليها في هذا المقال من خلال مانشاهده ومايمليه علينا الواقع.
أما الترابط والعلاقة بين الكبار وبين السنة الجديدة,, من المعروف ان الكبار في اي مجتمع هم القادة والمفكرون والسياسيون والاقتصاديون والعاملون والموظفون وصانعو القرار ومخططو المستقبل,, الخ فما نراه ونسمعه حول القلق والترقب لما ستحمله الألفية الجديدة وعما سيكون عليه عام 2000 هو من صنع الكبار حيث صنعوا الفلسفات ووضعوا النظريات وحددوا إطار المستقبل تقريباً وخططوا لما يراد ان يقال ويفهم ويعمل وحتى طرق تفكير الناس وحدودها وملامحها وصفاتها ومؤثراتها حول هذه السنة وضعت من قبل الكبار ولكنهم بالطبع ليسوا كبارنا بل كبارهم وبعد كل ذلك فهل هناك من يشك في قدرة الكبار على التخطيط وعلى الإبداع وعلى الابتكار ومن يمتلك هذا القدر الكبيرمن الدهاء والحنكة والقدرة على التأثير والقوة في الإيحاء غير الكبار.
من يستطيع ان يغير الاتجاهات ويوجه مسارات الأمور بعد الله سبحانه وتعالى غير فئة الكبار فهل بعد كل ذلك يقال اويعتقد ان فئة الكبار غير مؤثرين في مجتمعهم أو أنه لايعول ولايعتمد عليهم, فالكبارهم من قام بكل هذا ونحن نعيش ونشهد مايقوم به الكبار كل يوم وكل ساعة وهذه علاقة الكبار بالألفية الجديدة, اما دور العربي المسلم الكبير في هذه السنة فنحن نتمنى ان يكون للعربي المسلم دور وادوار متعددة في الحياة وفي المجتمع في هذه السنة وفي غيرها من السنوات, وبما ان الحديث عن اليوم العربي لتعليم الكبار فيمكنني ان اقسم كل مجتمع عربي الى قسمين قسم يقدر الكبار ويعي دورهم والقسم الآخر لايفكر في هذه القضية,
وهذا التقسيم قد يكون متفائلاً ولكن الكبار كما تشاهد قد فرضوا اسلوبهم في الحياة والذي بدأن يندمج مع اساليب الشباب كما ان تأثيرهم في مجتمعاتهم غدا واضحاً, اما من لايعي دور الكبار ولايفهم حاجة المجتمع لهم وهو النصف الثاني من التقسيم الافتراضي فإن الواقع سيفرض نفسه عليهم حيث لايمكن تجاهل نسب الكبار والمسنين في اي مجتمع من المجتمعات وما لهم من تاثير عليه, ودور المسلم العربي الكبير في هذه السنة وغيرها من السنوات هو التعلم إن لم يكن متعلماً واستمرارية التعلم ان كان متعلماً مهما بلغ هذا التعليم من درجة.
والتعليم والتعلم على اية حال رسالة اسلامية سامية حث عليها ديننا الحنيف وركز عليها وجعلها ركناً مهماً واساسياً من اركان الحياة حيث يعد التعليم والتعلم احدى سبل ووسائل الدعوة الى الله سبحانه وتعالى, لذلك فعلى المسلم الكبير ان يشارك في بناء المجتمع بما علمه وتعلمه والا يكون دوره سلبياً او متلقياً فقط فما دام على قيد الحياة فعليه مسئولية المشاركة في عمارة هذه الأرض كما جاءت كذلك تعاليم الدين الاسلامي الحنيف، ونتمنى ان يكون لكبارنا دور اكبر واعظم كما لكبارهم حيث نرى مدى تأثيرهم على العالم أجمع وهذا يتأتي بإذن الله عن طريق التمسك بدين الله والتعلم والاستفادة من الحضارات الماثلة امامنا واخذنا مايفيد وترك مالايفيد, كما يجب على الكبيرالمسلم العربي ان يحافظ على صحته الجسدية والعقلية والمحافظة على الصحة الجسدية تتأتي عن طريق التغذية السليمة الصحية والابتعاد عن الأساليب الغذائية غير السوية والتي لاتفيد حسم الإنسان وإنما تؤدي الى السمنة والترهل وهي معروفة وايضا المحافظة على الرياضة الخفيفة البسيطة حسب قدرة الشخص وبانتظام, اما المحافظة على الصحة العقلية والذهنية فتأتي عن طريق المواظبة على قراءة القرآن الكريم ففي هذا الكتاب العظيم فوائد عظيمة وكثيرة وتلاوته تؤدي الى صفاء الذهن واتقاد العقل واستمرارية القدرة على التفكير حتى في سنوات الكبر المتأخرة وسنوات الكهولة كما انه يشفي من الامراض النفسية وتؤدي قراءته الى عدم الإصابة بامراض كثيرة ومنها الخرف هذا بالاضافة الى مافي تلاوته من أجر كبير وخير عظيم.
اما اوضاع تعليم الكبار في الدول العربية عام 2000 فبالرغم من كل الجهود المبذولة فهي لازالت قاصرة ودون المستوى المطلوب ولاتستطيع تلبية حاجات المستقبل المأمول.
حيث ان تعليم الكبار في الدول العربية تعليماً وفلسفة وتنظيرا لايماشي ولايواكب الاتجاهات الحديثة في تعليم الكبار عالمياً.
نقول هذا ونحن غير سعداء بهذا الواقع فالعالم من حولنا يحتفل بألفية جديدة على الرغم من اهميتها لنا ونحن في عالمنا العربي مازلنا نصارع الأمية فتارة نصرعها بالجهود الحثيثة الطيبة والجادة وتارة تتغلب علينا بعدم الاكتراث بهذا الجانب وعدم المبالاة بنسب الامية الخطيرة في العالم العربي، وفوق كل هذا يعاني تعليم الكبار من عدم الفهم لمجالاته ورسالته واهدافه وقصر النظرة له حيث يعتقد ان تعليم الكبار هو محو للأمية فقط ويربط بها ربطاً وثيقاً وخاصة في وزارات التربية والتعليم في الدول العربية وحتى المسؤولون عن تعليم الكبار في هذه الوزارات لايفهمونه ولايعطونه حقه من الاهمية ولايعون ويدركون اهميته وحيويته لكل مجتمع, ونحن هنا لاننكر الجهود التي تقوم بها الدول العربية في هذا المجال ولكننا نصاب بالاحباط والقلق امام هذا الواقع وامام الجيوش البشرية الامية العربية التي تصيبنا بالخوف والهلع عماذا سيكون مستقبل هؤلاء وفيهم اطفال وشباب وعماذا سيكون مستقبل الدول العربية والتعليم والتنمية والتدريب فيها, وللمملكة العربية السعودية جهود ملموسة في الاهتمام بتعليم الكبار ومكافحة الأمية فقد تحصلت المملكة العربية السعودية على العديد من الجوائز العربية والعالمية في هذا المجال وكان آخرها جائزة المجلس العالمي لتعليم الكبار التي فاز بها الحرس الوطني.
كما تولي الحكومة السعودية موضوع الكبار والمسنين اهمية لاتقل عن اهتمامها بمواضيع التعليم العام فقد عقدت الكثير من الندوات والمؤتمرات وورش وحلقات العمل حول الكبار والمسنين وتعليمهم وتدريبهم, وتأتي في هذا الإطار ندوة الرعاية الشاملة للمسنين الواقع والمأمول برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام وتقيم هذه الندوة وزارة العمل والشؤون الإجتماعية بالتعاون مع مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية, هذه الندوة تدل على الحرص على الكبار والمسنين في المملكة حيث سيتم تدارس واقعهم ومشاكلهم واحتياجاتهم من خلال الخبراء الذين سيشتركون في هذه الندوة ومن خلال الابحاث وأوراق العمل المقدمة بها والتي سيكون لها الأثر الايجابي والفعال بإذن الله, كما ان اقامة هذه الندوة حول المسنين يوم الاحد 1417/11/1420ه وفي عام 2000 يعد تخطيطاً استراتيجيا بعيد المدى لرسم مستقبل المسنين وتوفير العناية الافضل لهم.
اما بالنسبة للخطط العربية والاستراتيجيات القريبة والبعيدة المدى والمشتركة او الفردية فقد اوردت مثالاً من تخطيطنا المستقبلي في المملكة العربية السعودية وبالتأكيد فإن المسؤولين لديهم المزيد من الخطط والمشاريع حول هذا الجانب, إلا اننا نتمنى ان يكون هناك تخطيط عربي مشترك واستراتيجية قريبة وبعيدة المدى للقضاء على الأمية بكل آثارها السلبية على المجتمعات العربية وبكل ما تمثله من هموم وامراض وفقر وجهل وبكل ماتمثله من اوضاع اقتصادية سيئة على الناس وتحجيمها لقدراتهم وفكرهم وإنتاجهم ونموهم فمن غير المعقول ان يحتفل العالم بعام 2000 ويوظف تقنيات عالية وهائلة ويصرفا أموالا طائلة ويجند آلاف الموظفين والعاملين والتقنيين لهذه الاحتفالات ونحن في الدول العربية مازلنا نتحدث عن الأمية والقضاء عليها, وعلى اية حال فهو عمل لابد منه وعمل اساسي وجوهري والمسؤولية لاتقع فقط على وزارات التربية والتعليم في الدول العربية بل تقع ايضا على الناس والمجتمع حيث يجب مشاركتهم ومعاونتهم ودافعيتهم وحرصهم على التخلص من هذه الآفة حيث انه بدون هذه المشاركة الجماعية فإن الجهود مهما كان حجمها لن تنجح مع إحجام الناس وعدم رغبتهم في تأييدها ودعمها, وبكل تأكيد فإن لكل دولة عربية خططها واستراتيجيتها للقضاء على الأمية ولكننا ندعو ايضا الى استراتيجية وخطط موحدة وتعاون مشترك يكون على مستويات حكومية واكاديمية وعلمية وتربويةومنهجية عالية ويخصص لها ميزانيات عالية وتأخذ بكل جدية واهتمام حتى يضمن لها النجاح.
والمطلوب هنا هو خطط واستراتيجيات عملية وواقعية وفعلية وليست مجرد بنود تصاغ عبارات جميلة ولاتجد طريقاً لها للتنفيذ.
فهناك الاستراتيجية العربية لمحو الامية وتعليم الكبار حيث وضعت منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما وكان الهدف ان تمحى الامية بعد عشرين عاما ولكن هذا الهدف لم يتحقق.
وإني هنا ادعو الى انشاء هيئة خاصة لتعليم الكبار في المملكة العربية السعودية فبالرغم من وجود امانة عامة لتعليم الكبار في وزارة المعارف واقسام لتعليم الكبار في إدارات التعليم إلا أن وظيفة هذه الهيئة ستكون مختلفة, حيث ان هذه الهيئة لم تخضع للأساليب الروتينية او البيروقراطية أو التقليدية بل تكون هيئة مستقلة تتولى تنظيم امورها واعمالها ومشروعاتها بنفسها, وتضم هذه الهيئة موظفين مدربين لمثل هذه الاعمال كما تضم خبراء واكاديمين ومستشارين وباحثين على مستوى علمي عال.
وتقوم هذه الهيئة برصد الواقع وتحديد المشكلات ومحاولة إيجاد الحلول بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المختلفة ومنها وزارة المعارف وأمانة تعليم الكبار, وتتعاون هذه الهيئة مع المنظمات العربية والدولية في مجال تعليم الكبار ومحو الأمية والتعليم المستمر والتأهيل والتدريب وتصدر هذه الهيئة مجلة علمية محكمة متخصصة في مجالات تعليم الكبار والتعليم المستمر, ويكون من اهداف الهيئة المهمة ايجاد الحلول العملية الواقعية والفعلية المتعلقة بمجال تعليم الكبار في المملكة العربية السعودية وقد يكون مسماها الهيئة اوالمنظمة السعودية لتعليم المبار والتعليم المستمر .
ولتبسيط مفهوم واهداف هذه الهيئة فانه يمكن تشبيهها بمكتب التربية لدول الخليج العربي من حيث الاهداف والنشاطات والمشاريع, هذه كانت نظرات وقراءات لواقع تعليم الكبار العربي عام 2000 وامامنا المستقبل وبإمكاننا إنجاز المزيد وعمل الكثير, وعلى رب العالمين الاتكال.
* كلية التربية جامعة الملك سعود