تؤكد مفاهيم ومضامين إسلامية واجتماعية هامة مخيمات الإفطار الرمضانية وسيلة للدعوة إلى الله ومظهر للتكافل الاجتماعي الإسلامي |
متابعة : عمر اللحيان
بدأت منذ عدة سنوات مشاريع تفطير الصائمين واستمرت هذه المشاريع في الازدياد حتى انتشرت هذا العام في اغلب المساجد في جميع مدن ومحافظات المملكة
ولاشك ان هذه المشاريع تدل على حب أهل هذه البلاد للعمل الخيري حيث يستفيد منها المئات من الاخوة الوافدين ومن المسافرين وعابري الطريق، وهذه المشاريع لها ايجابيات كثيرة وهذا لا جدال فيه
ولكن السلبيات بدأت تظهر في بعضها كالتكلفة المبالغ فيها في تقديم الوجبات الغذائية والاسراف وانتشارها العشوائي.
الجزيرة قامت بجولة على عدد من هذه المشاريع والتقت بالمشرفين عليها للتعرف على تقويم هذه التجربة وايجابياتها وسلبياتها.
المشروعات تكرس مبدأ الأخوة في الإسلام
في البداية تحدث المشرف على فرع جمعية البر بحي الشفا عبدالعزيز بن إبراهيم السبعان فقال: ان مشروع تفطير الصائمين في هذه البلاد المباركة وغيرها من بلاد المسلمين يظهر مدى التكاتف الاجتماعي والتعارف بين المسلمين وهو وسيلة من وسائل الدعوة لهذا الدين القويم, وأشار إلى ان هناك ايجابيات كثيرة لهذه المشاريع حيث يحصل فيها تحقيق رغبة كثير من الاخوة المسلمين بتفطير الصائمين واستبشارهم بهذا المشروع الذي لا يكلفهم سوى مبلغ يسير مع ما يحصل لهم من الأجر الكبير والمثوبة من الله اضافة إلى التوسعة على الفقراء والمساكين حيث إن أغلب الايدي العاملة يدخر اكبر قدر من راتبه في هذا الشهر المبارك من اجل اسرته حيث حلول العيد المبارك ولا تخفى حاجة الناس إلى المال عند قدوم العيد.
كما انه في هذا المشروع الخيري يتحقق انتفاء الغربة بين المسلمين الوافدين الى هذه البلاد المباركة حيث يشعر الفرد انه بين أهله وذويه وان ما يقدم له من خدمة وطعام انما هو من تعاليم ديننا الحنيف فيحمل في نفسه المحبة والود لهذا البلد وأهله ويشعر بانطباع يكرس مبدأ الاخوة في الاسلام وعن السلبيات التي من الممكن وجودها في بعض المشاريع قال السبعان ان مشروع التفطير كله ايجابيات وخير وان كان له سلبيات فايجابياته تغطي على سلبياته مشيرا إلى ان انتشار اماكن التفطير في الحي الواحد له دلالة واضحة لرغبة اهل هذا البلد في الخير والبحث عن سبيله.
واضاف: ان هذه المشاريع تحتاج إلى تنظيم اكبر بحيث يتم التنسيق بين ائمة المساجد وفروع جمعيات البر أو المكاتب التعاونية للدعوة والارشاد وتوعية الجاليات في اختيار المواقع والاماكن التي تكثر فيها العمالة، وبين ان فرع جمعية البر بحي الشفا اشرف على عشرين موقعا لتفطير الصائمين طيلة شهر رمضان المبارك لهذا العام يصل عدد المستفيدين منها يوميا (2100) صائم ليصل عددهم طيلة الشهر ثلاثة وستين ألف صائم وذلك بالتنسيق والتنظيم مع ائمة المساجد مشيرا إلى ان الجمعية تقوم بالاشراف وتأمين الوجبات الغذائية للصائمين حيث تم تجهيز مطبخ متكامل لهذا الغرض ويتم تحديد الوجبة دون سرف او تقتير ويقدر اجمالي تكاليف المشروع لهذا العام بحوالي مائتي ألف ريال تشمل التفطير والدعوة إلى الله.
مقترحات لتفادي بعض السلبيات
وقال الشيخ الفوزان المشرف على مشروع تفطير الصائمين بجامع أم إبراهيم بحي المنصورة ان مشاريع التفطير المقامة في كثير من المساجد والمكاتب التعاونية للدعوة والارشاد وتوعية الجاليات والمنتشرة في طول هذه البلاد وعرضها هي دليل على وجود الخير في أهل هذه البلاد من التجار وميسوري الحال وغيرهم وذلك بدعمهم ماليا لاقامة هذه المشاريع او عينيا وهذا نابع من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: من فطر صائماً كان له من الأجر مثل أجره , واشار إلى ان مشروع التفطير قد بدأ في هذا الجامع منذ عام 1400ه وهو مستمر حتى الآن بفضل القائمين عليه وقد استفاد منه منذ انشائه اكثر من خمسين ألف صائم.
وعن الايجابيات التي لمسها من هذا المشروع حصول الأجر والثواب بالاضافة إلى تفاعل جيران المسجد مع هذه المشاريع وذلك بتقديم ما تجود به أنفسهم بشكل يومي او بين يوم وآخر وانه سبب لترابط المسلمين بعضهم ببعض فلا فرق بين ابيض واسود أو بين عربي وعجمي ودليل ذلك تواجدهم على مائدة واحدة وفي مكان واحد,, وإلى جانب ما سبق فإن اقامة هذه المشاريع على مرأى من الناس يكون سببا لدخول غير المسلمين في الإسلام.
وأضاف الفوزان ان هذه المشاريع لايوجد فيها سلبيات لانه لو وجدت سلبية واحدة لما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك كما في الحديث من فطر صائما كان له من الأجر مثل أجره ولكن قد تظهر بعض السلبيات من القائمين على بعض هذه المشاريع او من المستفيدين منها إذا لم يوجد تنسيق بين امام المسجد والمتعاونين على اقامة المشروع او عدم وجود الاشراف والترتيب عند تقديم الوجبات للمستفيدين او إذا لم يوجد عقد مبرم بين القائمين على المشروع وبين جهات تأمين الوجبات او عدم تغطية المشروع ماديا إلى نهاية الشهر وإذا صرف لغير وجه الله برياء أو سمعة.
ويقترح الفوزان عددا من المقترحات التي من شأنها المساهمة في تطوير هذه المشاريع وتلافي السلبيات التي قد توجد، منها استغلال هذا الجمع من الجنسيات المختلفة وتبصيرهم بأمور دينهم مما قد يخفى على كثير منهم وربط مشاريع التفطير المقامة في المساجد القليلة العدد (غير الجوامع) بأقرب جامع لها او الاكتفاء بالتفطير المقام في الجوامع فقط وايجاد مواقع كاملة الخدمات قرب الجوامع تقي الحضور من شدة البرد أو الامطار في الشتاء وتقيهم شدة الحر وسوء الاحوال الجوية في الصيف وشحذ همم أئمة وخطباء الجوامع التي لا يوجد بها تفطير إلى اقامة هذه المشاريع في جوامعهم والبعد عن الاسراف والمفاخرة في ما يقدم للصائمين خوفا من ذهاب الاجر من الله وذلك بتحول النية وبالاضافة إلى ماسبق أرى أنه عند تقديم وجبات الافطار ان يكون كل شخص بمفرده وهذا يساعد على اتمام المشروع ويزيل الشحناء بين الصائمين المستفيدين منه.
كيف نتجنب الإسراف؟
وتحدث حجاج بن عبدالله العريني فقال: ان مشاريع تفطير الصائمين مشاريع خيرية وانتشارها دليل على حب افراد هذا المجتمع للخير والعمل الصالح وأشار إلى انه ينبغي استغلال هذه المشاريع للدعوة وتعليم الاخوة المقيمين امور دينهم ولكن الواضح ان الكثير من هذه المشاريع تركز على التفطير فقط واقترح هنا ان يجمع في هذه المشاريع بين التفطير والدعوة بحيث يتضمن البرنامج دروساً دينية قبل المغرب او بعده ليستفيد منها الاخوة المسلمون فمن الواضح ان كثيرا منهم يأتي إلى المملكة ويبقى فيها سنوات طويلة ثم يعود إلى دولته ولم يؤثر فيه او يعلم اموراً هامة وأساسية في دينه.
وعن انتشار هذه المشاريع والسلبيات التي يراها قال العريني ان انتشارها كما قلت سابقا أمر خير وطيب ولكن ينبغي ان نبتعد عن الاسراف فيما يقدم فيها إذ نلاحظ ان بعضها لا يفطر فيه إلا اعداد قليلة ويقدم لهم وجبات تزيد عن حاجتهم وهنا يقترح العريني ان يتولى كل امام مسجد الاشراف بنفسه على المشروع بحيث لا يقدم اكثر مما يحتاج إليه الصائمون المستفيدون من المشروع كما يقترح ان يستفاد من طلاب السنة الرابعة في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام في التنسيق معهم في تقديم الدروس الدينية في هذه المشاريع.
من جانبه قال أحمد بن سعيد عطية أحد المشرفين على مشروع تفطير الصائمين بالصناعية القديمة ان فكرة هذه المشاريع ناجحة وجيدة حيث انها تدل على ترابط المسلمين وتكافلهم الاجتماعي الذي يحث عليه الدين الاسلامي الحنيف ويؤكد على اهمية مصاحبة برنامج الافطار بدروس علمية لتوضيح بعض الامور والاحكام الدينية للاخوة المسلمين الذين هم فعلا بحاجة إلى ذلك.
وعن تنظيم هذه المشاريع قال ابن عطية ان ذلك مسؤولية امام المسجد في المقام الاول وكذلك الاشخاص المنظمون لهذا المشروع فهؤلاء عليهم معرفة اعداد المستفيدين واحضار الطعام المناسب لهم بعيدا عن الاسراف والتبذير.
التنسيق والإشراف أمر مهم
وقال منصور السحيباني ان هذه المشاريع رحمة للمنفق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم اعط منفقاً خلفاً وممسكاً تلفاً , كما ان العمال هم بحاجة فعلا لمثل هذه المشاريع لانهم يعملون طيلة اليوم ولا يوجد من يجهز لهم الافطار فإذا جاء للمسجد وتناول الافطار ودعا لأخيه المسلم في شهر رمضان وفي وقت الافطار الذي هو وقت اجابة للدعاء,, فعندما تُفَطِر المسلم ويدعو لك فيشكر الله سبحانه ويشكرك الله.
وأضاف ان من ضمن الايجابيات لهذه المشاريع الى جانب ما سبق ان هذه المشاريع تساهم في دخول غير المسلمين في الاسلام لانهم يجدون روحانية ويلاحظون تجمع المسلمين في مكان واحد وعند سماعهم للأذان يبدأ الجميع الافطار فيسلم البعض نتيجة لذلك.
وعن السلبيات قال السحيباني ان بعض المساجد يقدم وجبات افطار ويعد اطعمة اكثر من عدد الذين يفطرون فيه وهذا فيه اسراف وتبذير نهى عنه الاسلام فيما تكون هناك مساجد يفطر فيها اعداد كبيرة ولا يوجد وجبات تكفي لهم.
وأرجع الإسراف فيما يقدم في هذه المشاريع إلى انه في بعض المساجد يكون الامام ليس له مسؤولية اطلاقا في المشروع وارى انه لابد من ان يكون الامام او المؤذن مسؤولين عن ذلك حتى يعرف كم اعداد الذين يفطرون يوميا في المسجد وما هي احتياجاتهم وهل ما يقدم من اطعمة كافية ام غير كافية فإذا لاحظ ان الاطعمة المقدمة في الافطار تزيد عن حاجة الموجودين يمكن ان يوزعها على المحتاجين في الحي للاستفادة منها في السحور وكذلك التنسيق بين القائمين على هذه المشاريع بدعم المساجد الكبيرة من قبل الصغيرة.
وعن أهمية وجود جهة تتولى تنظيم هذه المشاريع والاشراف عليها قال: ان وجود مثل تلك الجهة له محاسن وله في نفس الوقت مساوئ وأعتقد ان مساوئه ستكون اكثر من المحاسن حيث سيكون اداء هذه الاعمال كوظيفة مما قد لا تحقق الاهداف المأمولة منها ولكن إذا تركت ونظمت من أهل الخير وتم عملها لله ومن اجل الخير سيكون العمل افضل وأدق وبنفس راضية.
ودعا السحيباني الجميع الى دعم هذه المشاريع وذلك من اجل ان تستمر في تقديم برامجها الخيرية للمسلمين المستفيدين منها فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
التفاخر والمبالغة
يخرجانها عن هدفها
من جانبه قال الدكتور بسام أبو عمارة ان فكرة هذه المشاريع جيدة جدا فكثير من الناس في وقتنا الحالي بحاجة ماسة لذلك فدخلهم متدن وخاصة العمال الذين رواتبهم لا تتجاوز 700 ريال وهؤلاء ارى انهم ممن تجوز فيهم الصدقة أو الزكاة ويمكن ان يكونوا (ابن سبيل) ويرى انه لابد ان يكون هناك اشراف على هذه المشاريع من قبل امام المسجد الذي عليه مسؤولية تقنين ما يقدم فيها من اطعمة ومأكولات بحيث يتولى اخذ ما يزيد عن الحاجة وقت الافطار إلى السحور أو اليوم الثاني.
ويضيف ان الامام من خلال معرفته بأحوال اهل الحي من الأرامل والايتام والفقراء يمكن ان يصرف لهم ثلاثة ارباع المبلغ المخصص للمشروع من خلال تقديم وجبات افطار يومي لهم فهناك اناس لا يسألون الناس الحافا.
وعن ظاهرة الاسراف والتفاخر قال د, أبو عمارة: ان اقتصار هذه المشاريع في جامع في الحي بدلا من وجود عدد كبير ومتقارب من المساجد بحيث تكون المساجد التي بها افطار متوسطة وقريبة من الجميع للتقليل من الاسراف الموجود في بعضها.
الدراسة الاجتماعية
مهمة لهذه المشاريع
من جانبه قال الدكتور محمد بن عبدالمحسن التويجري رئيس قسم علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: ان هذه المشاريع فكرة رائعة جداً لما لها من مدلولات متعددة اقتصادية حيث تعبر عن توفر المادة في ايدي المواطنين بمستوى اكثر عما قبل بما سمح لهم بالمشاركة في هذه المشاريع ودعمها.
والمدلول الاجتماعي يعبر عن التكافل الاجتماعي والطيبة والكرم الذي يتميز به مجتمعنا عن بقية المجتمعات الاخرى كما ان في هذه المشاريع فرصة لاجتماع العمال من جنسيات مختلفة على مائدة واحدة في وقت واحد بما يشعرهم بروحانية هذا الشهر الى جانب الفوائد والدروس العلمية والمحاضرات التي تفيدهم دينيا.
والمدلول الثقافي يعبر عنه خصوصية مجتمعنا عن غيره من المجتمعات وهي خصوصية البذل والعطاء والايثار وهذه ميزة تاريخية لمجتمعنا.
وكل من يعيش على ارض هذه البلاد يجدها ويلاحظها، فانتشار هذه المشاريع والصدقات والعمل الخيري تدل على حب مجتمعنا لهذه الاعمال وتدل على انها سلوك هدفه رضا الله بعيداً عن الرياء والسمعة، كما انها تدل على ان هذه البذرة لحب الخير موجودة في مجتمعنا منذ زمن بعيد ومستمرة حتى الآن، وعن السلبيات قال د, التويجري: إذا أردنا أن ننظر لأي مشروع أو عمل فلابد ان نجد فيه سلبيات وايجابيات وهذه المشاريع ايجابياتها عديدة جداً وسلبياتها قليلة وذلك لانه قد يكون هناك اناس اقاموا هذه المشاريع للمباهاة وتحقيق مصالح دنيوية وهؤلاء قلة ولله الحمد بل انه أمر طبيعي ويجب ان لا نوقف هذه البرامج لهذا السبب فإذا وجد مثل هؤلاء وعرفنا عنهم ذلك يجب ان تبلغ الجهات المختصة التي ستقوم بدورها بايقاف المشاريع الخاصة بهم.
وعن اهمية القيام بدراسة اجتماعية لهذه المشاريع قال د, التويجري: ان هذه فكرة رائدة ويجب ان تكون هذه الدراسة إذا قامت معتمدة على ثلاثة أسس الاساس الأول اساس علمي اكاديمي بحت بحيث يقوم به متخصصون أكاديميون في العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية علم النفس) بمعاونة من متخصصين في العلوم الشرعية.
والاساس الثاني ان ترعى هذا البحث وتموله جهة متخصصة لها علاقة مباشرة بالمشروع, والاساس الثالث وهو المهم ان تؤخذ الدراسة بشكل جدي وتؤخذ توصياتها ونتائجها وتطبق في الميدان.
|
|
|