يبدو ان مشكلة الالفية قد عدّت بسلام تقريبا إن شاء الله, وهذا تفاؤل مني وخاصة انني قد كتبت هذه المقالة قبل عشية الالفية، واعتقد ان هناك الكثير من الدروس والعبر التي يجب ان نتعلمها ونضعها امام اعيننا وخاصة اذا عرفنا ان الاحداث تتشابه وتتكرر علينا بطريقة او بأخرى والعاقل من اتعظ بغيره, وهذه الدروس التي يمكن الاستفادة منها هي كالتالي:
الدرس الاول: هو لنا كمبرمجين ومخططين ومصممين, حيث رأينا كيف كان اغفال المبرمجين الاوائل لخانتين من خانات التاريخ قد سبب مشكلة كبيرة وخوفا كبيرا للبشرية جمعاء, حيث لم يكن في تصور المبرمجين وقتها انهم قد اوشكوا ان يدمروا العالم من غير ان يشعروا, ومن ذلك نجد ان علينا كمبرمجين ومخططين ومصممين الا ننظر الى الغد في تفكيرنا فقط بل الى بعد غد, وهذه مشكلة يلاقيها الكثير من المبرمجين ومن على شاكلتهم, فمثلا قد تطلب بعض الادارات من بعض المبرمجين تصميم برنامج خاص لإحدى إداراتها وفق معطيات محددة بمدخلات ومخرجات معينة, وبعد اكتمال البرنامج الذي قد يأخذ السنة والسنتين تطلب هذه الادارة من المبرمج عمل بعض الاضافة الجديدة لهذا البرنامج وعندها يفاجأ المبرمج بانه من الصعب اضافت هذه التطويرات والتحسينات الجديدة بسهولة, وذلك لان تصور هذا المبرمج عند بناء البرنامج في البداية كان مختلفا تماما عما هو مطلوب منه اليوم,وفي الغالب فان لسان حال المبرمج يقول لو انني عرفت انهم سيطلبون هذه الاضافات لما بنيت البرنامج مثل ماهو عليه اليوم ويضطر المبرمج الى ان يكمل البرنامج ويبني عليه بالرغم من علمه بوجود بعض العيوب في اساس البرنامج, ولكن الوقت سيكون متأخرا جدا بالنسبة للمبرمج لان يبني من جديد, ومثل هذا يحدث كثيرا في الحياة اليومية وذلك لعدم إدخال عنصر التخطيط البعيد (long run) في التخطيط للمستقبل, الم تر كيف يُفعل بالشوارع المسفلتة الجميلة؟ الم ترى كيف يحفر الشارع ثم يدفن، ثم يحفر ثم يدفن، ثم يحفر ثم يدفن، وهكذا حتى تفارقه الحياة, لدرجة انه قد يخيل إليك ان الشارع في الاصل يجب ان يكون محفورا, وان الشارع غير المحفور يحتاج الى حفر ثم دفن وهكذا الى ان يرث الله الارض ومن عليها.
اذاً نستفيد من هذا الدرس انه يتعين علينا عند التكيف بعمل ما ان ناخذ التخطيط طويل الاجل في الحسبان ، وان نعمل هذا الشيء بطريقة صح مرة واحدة فقط ليبقى صالحا لنا وللزمن.
الدرس الثاني: هو لنا كأعضاء في اللجان والمجالس ومن في حكمهم, حيث ان الكل منا يعرف ان المقصود بالحديث عن الالفية في القرية الالكترونية هو الحديث عن الاصفار فقط,, سواء قلنا دخول الالفية اوفيروس العام 2000 اوالالفية الثالثة وما إلى ذلك، فإن المقصود هو مشكلة الصفرين, وللاسف فقد يصرف الحديث بقصد او بدون قصد الى مشكلة تحديد وقت دخول القرن الواحد والعشرين, وهي مشكلة اخرى لا ناقة لنا بها ولاجمل, وصرف التركيز من موضوع الى موضوع آخر هو ليس بجديد علينا حيث نواجهه في حياتنا العملية بشكل يومي, فمثلا قد يجتمع مجموعة من المدراء او الرؤساء او حتى الموظفين لمناقشة موضوع أو مشكلة معينة والخروج بحلول لهذه المشكلة, وفي منتصف الاجتماع وآمل الا يكون في اوله يعرج أحد الاعضاء على موضوع آخر وهو يتحدث عن هذه المشكلة التي اجتمعوا لحلها ثم ينصرف الحديث برمته الى هذا الموضوع الآخر او المواضيع الاخرى الجانبية,وينسى الجميع الموضوع الذي اجتمعوا لاجله, وفي النهاية يدرك الجميع الوقت ويقول المدير نكمل الموضوع في الاجتماع القادم وهكذا.
ولذلك ينبغي علينا عند مواجهة مشكلة ما او التطرق الى حديث ما ان نركز على صلب هذا الموضوع حتى نوفيه حقه من الدراسة ولانحيد إلى السبل فتفرق بنا عن سبيله.
*جامعة الملك سعود