لقد تعرض الاقتصاد السعودي لتقلبات وتغيرات هيكلية ادت الى تغير في طبيعة الفكر والاداء لمعظم المتغيرات الاقتصادية الرئيسة, فلقد كان الانتقال من الاقتصاد البدائي الى الاقتصاد المتقدم بادواته الحديثة ومتغيراته المتشابكة خلال بداية السبعينيات علامة بارزة في تاريخ الاداء والفكر الاقتصادي السعودي, الا انه من الملاحظ ان المملكة العربية السعودية لم تكن في تلك الفترة مهيأة اداريا وفكريا لمواكبة النمو المالي الهائل الذي ارتبط بمعدلات النمو المرتفعة في اسعار النفط العالمية مما دفع بها الى الاستعانة بالخبرات الاجنبية العربية وغير العربية لمساندة الكوادر السعودية القليلة في رسم الخريطة المستقبلية لتنميتنا الشاملة بفروعها الرئيسة المختلفة, وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها تلك الخبرات، وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلتها الكوادر السعودية المؤهلة آنذاك، الا ان طبيعة التغير في المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية كانت اسرع وبشكل لم يستطع معه الخبراء السيطرة على الواقع او تقدير المستقبل لهذه المتغيرات وما يرتبط بها من متغيرات رئيسة وفرعية اخرى وبالتالي فان ما نلاحظه في هذا الوقت من مشاكل استراتيجية ما هي الا نتيجة لتلك المحاولات التخطيطية التي جانبها الصواب وفشلنا حتى مع مرور الزمن في تعديلها او التعامل معها لكونها من النوع المتراكم التي يلزم لحلها اقتلاع اصولها النظرية والتطبيقية, ولعل اهم وابرز المشاكل الاستراتيجية التي نعاني من ويلاتها في هذا الوقت ما حدث لسوق العمل السعودي الذي يتسم بعشوائية غريبة لا يوجد لها مثيل على مستوى العالم, فقد كان النقص الملحوظ في الايدي العاملة السعودية في المراحل الاولى من مراحل التنمية الحديثة دافعا قويا ومسوغا مقبولا للتوسع في استقدام الايدي العاملة الاجنبية كمحاولة للتغلب على النقص في احد اهم محددات النمو الاقتصادي، وبالفعل فقد نجحت السياسية وتحقق المراد وساهم عنصر العمل الاجنبي بدور فاعل ومؤثر فيما تحقق من تنمية شاملة لمختلف جوانب الحياة ولكن بعد ان تبدلت المعطيات وتغيرت الظروف وانحسرت الطفرة الاقتصادية وقل الطلب الاجمالي على عنصر العمل لانزال نلاحظ ان السوق السعودي لا يزال مفتوحاً على مصراعيه امام عنصر العمل الاجنبي حتى امسى الجميع وقد اعتقد ان المواطن السعودي ليس له حق مشروع في العمل الا اذا استطاع ان يطرد العامل الاجنبي من خلال التنافس على فرص العمل المتاحة, لقد كان المواطن السعودي ينتظر ان تقوم النظم والتنظيمات الادارية بدورها في اعادة السوق الى حالته الطبيعية بعد انقضاء الحالة الاستثنائية ولكن الجميع استمرأ الحالة الاستثنائية واصبح يصفها بالحالة الطبيعية ملقيا باللوم على المواطن الكسول غير المنتج متناسيا الدور الكبير لهذا المواطن عندما كان ميدان الانتاج صحيا وخاليا من المتغيرات الدخيلة ، باختصار يمكن وصف سوق العمل السعودي في الوقت الحاضر بانه السوق الذي تحول فيه المواطن الى غريب والاجنبي الى اصل واساس, السؤال الذي يفرض نفسه في هذا الجانب هو هل ما حدث كان امرا مخططا ومقصودا؟ وهل كنا في السابق نعرف بالتحديد ماذا نريد لسوق العمل في المستقبل؟ وهل كان للمخطط الاجنبي دور في الوضع القائم؟ وهل هنالك جهة حكومية معنية بمراقبة وتنظيم سوق العمل؟ اسئلة عديدة الاجابة عليها تكمن في معرفة درجة التنظيم في سوق العمل وفي الجهة المعنية بمراقبته وتنظيمه ونقصد بالتحديد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
الجميع يعلم بان مواد واحكام نظام العمل والعمال ظلت معطلة وحبيسة الاطار النظري مما قاد البلد الى هذه العشوائية المطبقة ولكن هل عجزت ام فشلت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في تطبيق مواد واحكام نظام العمل والعمال؟, الجميع على يقين بان قرار مجلس الوزراء رقم 50 وما صاحبه من قرارات وتوصيات استهدفت تصحيح واقع سوق العمل قد امست حبيسة ادراج المسئولين بعيدة كل البعد عن المجال التطبيقي ولكن هل عجزت ام فشلت وزارة العمل، والشؤون الاجتماعية في تطبيق مواد وفقرات وتوصيات هذه القرارات التصحيحية؟.
اعتقد أننا في الوقت الذي نؤمن فيه بتقصير وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كغيرها من الوزارات الاخرى خاصة خلال فترة الطفرة الاقتصادية التي كان بالامكان تحقيق اكثر مما كان، نؤمن ايضا بان هذه الوزارة قد حُملت من المهام ما يفوق طاقتها البشرية والمادية، لايمكن ان نتصور وزارة واحدة تقوم بالمهام الاجتماعية المتشعبة في بلد مترامي الاطراف متباعد الحدود، وفي نفس الوقت تضطلع بمهام سوق العمل بمتغيراته واحواله المتقلبة والمتشعبة, واذا كان المخطط في الماضي يرى بان وزارة واحدة تكفي لتولي المهام الاجتماعية والعمالية فانه بلاشك لم يكن مخططا ناجحا ولم يكن ذا افق علمي وعملي واسع, لقد فشل هذا المخطط فشلا ذريعا في التعرف على مستقبل هذه البلاد الاجتماعي والعمالي مما قاده الى تحجيم المهمة والمسؤول عن تولي هذه المهمة, لقد كنا في السابق مجتمعا محدودا بتقاليد اجتماعية واضحة ومجتمعا محدودا باقتصاد بسيط يقوم على مبدأ الاكتفاء الذاتي من كل شيء بما في ذلك عنصر العمل وبالتالي وفي ظل هذه المعطيات يمكن تصور الواقع بوزارة واحدة ذات وجهين مختلفين, ولكن ونتيجة للتنمية الشاملة السريعة فقد تبدلت الكثير من التقاليد والمعطيات الاجتماعية مما ضاعف من اهمية العمل الاجتماعي الذي اصبح من الضروري تواجده في كل مدينة وقرية من مدن وقرى المملكة العربية السعودية كما ان التنمية السريعة قد ادت الى تبدل واقع الاقتصاد السعودي ليصبح اقتصادا حديثا بمعطيات محلية ودولية مما جعل مهمة الاشراف على تنظيم سوق العمل السعودي مهمة شاقة وعسيرة تحتاج الى تضافر الجهود من قبل المتخصصين والمختصين في مجال القوى العاملة, بعبارة اخرى لقد تعقد الحال حتى اصبح من المحال تصور وزارة واحدة بوجهين مختلفين كما هو الحال بالنسبة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الوقت الحاضر.
اذاً ما هو المطلوب: اعتقد ان الوقت قد حان لتفعيل مبدأ التخصص في الاداء والمسؤولية خاصة ونحن نعيش مرحلة حرجة من مراحل العمل الاجتماعي والاقتصادي ومرحلة حرجة من مراحل اعادة البناء الاقتصادي وبالتالي فاننا نحتاج الى وزارة قوى عاملة تهتم بالاشراف على سوق العمل السعودي بشقيه العام والخاص اشرافا كاملا كما نحتاج الى وزارة خاصة ومستقلة تُعنى بالاشراف على متابعة العمل الاجتماعي الذي يزداد الحاحا مع مرور الوقت وازدياد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية اتمنى ان يكون ذلك عاجلاً حتى نستطيع ان نحكم على اداء الوزارتين كل في مجال تخصصه بدلا من ان نحكم على الوزارة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في صورتها الحالية وبامكاناتها المحدودة ومسؤولياتها المتشعبة.
*أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية