أتذكر أنني قرأت قبل سنوات سلسلة من الكتب الطريفة جدا حول عالم الخداع الاجتماعي, سلسلة يختار منها القارىء ما يريد حتى يصبح كذابا له قيمة اجتماعية من الصعب أن يكتشف احد أمره، ولكني مع الأسف نسيت اسم الناشر الانجليزي حتى استطيع ان اعرضها عليكم لمن يريد أن يكون (خرّاط) بشكل علمي مدرب, فالقدرة على الخداع موهبة ولكن هذه الموهبة كأي موهبة في هذه الحياة تحتاج الى تعليم وتدريب وصقل وممارسة حتى تصبح نشطة وفعالة وتحقق مكاسب مثلها مثل المواهب الأخرى رغم أن بعض الناس يستند على المثل الشعبي الذي يقول (حبل الكذب قصير) هذا صحيح في القصص المتعلقة بالمصالح طويلة الأجل ولكن هناك بعض القصص تكون متكاملة ومصمتة بحيث لا تتوفر على ثقوب تنفذ منها الحقيقة وتفسدها، لأنها من نوع القصص التي لا تحتاج من المستمع الى محاكمة, على أي حال فالكذاب المتمرس لا يمكن أن تفاجئه الأحداث وإذا تطور في موهبته أكثر يتحول الى كذاب (يقابل) أي (قوي وجه), إلى هنا تتفرد قصصه وتحلق حتى تصبح في بعض الأحيان أعمالا فنية لا ينقصها سوى الاعتراف, وهذه في ظني مرحلة تعتبر اقصى درجات الابداع الاجتماعي لانه يفقد الحساسية الاجتماعية التي تسبب له المضايقة والضغوط الاخلاقية او على الاقل الارتباك, وحتى هذه المرحلة بالنسبة لك لا مشكلة حقيقة فأنت مجرد مستمع, فالمشكلة الحقيقية تبدأ عندما تتقدم هذه القصص اكثر اليك, فهناك من يضطرك ان تشاركه بالتأييد بطرق مختلفة فمثلا تكون في مجلس ويبدأ أحدهم يقص قصة من قصصه المختلقة ويحلف أولا واذا لم يجد ما يدعو الناس الى تصديقه يلتفت على طول عليك ويقول بسرعة وبثقة تفقدك ثقتك في نفسك (اعتقد عبدالله كان معي والا لا يا عبدالله) فهو يستغل حياءك أو طيبتك أو ظروف المجلس فيسند عليك فتضطر في احسن الاحوال ان تغمغم حتى لا توافق لتدخل نفسك في الكذب, والاكثر خطورة وما يشكل في ظني تهديدا لصمودك هو ان يشركك في قصة بحيث يضع لك فيها دورا مماثلا لدوره في البطولة وهذه اكثر ما تراها في القصص العاطفية في اوساط الشباب في بداية مغامراتهم الغزلية او بين الكهول (رجال الأربعينات) الذين خسروا مغامرات الحب الحقيقي في مرحلة الشباب عندما تذرعوا بالمثاليات ثم التحقوا بزوجاتهم عبر التدابير العائلية بقيادة من امهاتهم فأمسى الحب بالنسبة لهم صوتا لاغنية بعيدة تناثرت اشلاؤها عبر السنين، فهذا الكذاب يعرف جيدا ضحاياه (تذكر يا عبدالله البنات اللي في الكدلك؟!) هل يذكر عبدالله ام لا هذه قضية اخرى فعبدالله لن يتبصر ليرى الفخ الذي يؤسس تحت رجليه فحطام الاغنية المنسية سيلتمع بلهيب الخيبات القديمة, وينحيه بالصمت والكذاب في نفس الوقت لن يعطيه اصلا فرصة ليقول كلمته اذ سيسارع وينتزع له في بداية القصة قطعة من الكدلك ليترك روحه تعلك فيها (ذيك اللي قاعدة وراء يوم أنها تأشر لك) اقصى احتجاج يستطيع عبدالله ان يبديه لمواجهة اقحامه ك(مساعد بطل) في قصة حب لم تحدث ابدا هو ان يعدل من جلسته ويسحب طرف ثوبه ليغطي ما انكشف من ساقه او ركبته حتى يوفر لنفسه بعض القلق يبعد به عينيه عن عيني الكذاب منعا لنشوب اي اعتلال في مستوى الحقيقة بين اطراف القصة, عند هذه المرحلة يترك الكذاب عبدالله يعلك في العصبة بعد ان دفع به في هوة الصمت المتواطىء فتصبح القصة ملكا للكذاب معززة بالشهود فيتحرك الكاديلاك ليطوف المدينة من شارع الى شارع ومن موقف الى آخر وعبدالله ينتظر التغيرات التي ستجرى على تاريخ الخيبة, ولكن كل شيء يبقى في مكانه فيفوز الكذاب بكل شيء ولا يبقى لعبدالله سوى ان يكون شاهدا على مغامرات الاخرين المزورة.
تواطؤ عبدالله ليس شهادة على زيف تاريخي فالكذاب لايكون دائما عونا على مصلحة مشوهة فأحيانا كثيرة يأتي لتعديل ميزان القلب الا قلب عبدالله,.
مسكين عبدالله!!
لمراسلة الكتاب
yara2222 * hotmail. com