قلت له: استقبلت البشرية منذ ايام الألفية الثالثة,, وحلّ قرن جديد فماذا تقول؟
قال: ماذا تريدني ان أقول,, ولماذا؟ وما علاقتي بألفيتك الجديدة؟!
قلت: هذه نقلة ثقيلة وخطيرة تعبرها البشرية على صراط الزمن نحو غد جديد! وأنت وأنا وحتى آخر رقم في تعداد هذا الكون معنيون بها، شئنا ام أبينا!
***
قال: اعفني من الرد,, ومن التعليق فليس لدي ما أقوله سوى أن هذا الحدث يعنيك ومَن معك أما أنا,, فلا يعنيني في شيء!
قلت: ولماذا كل هذا الغيظ؟
قال: بل ما عساني أن أقول غير هذا؟ مَن انا حتى يكون لرأيه سمع,, ولإرادته طاعة؟!
أنا صفر في رصيد البشرية حُلما وواقعا وانجازا، فماذا يهمك أو يهم الناس سواك من أمري؟! كل الشهور,, وكل الأيام ,, وكل الاعوام في تقديري سواء.
أمسها كيومها,, كغدها عندي سواء.
***
قلت: أراك تصر,, بل وتسابق نفسك في الكشف عن مخزون حزين من التشاؤم المسيّر بالقنوط! وأنت بهذه الأقوال تترجم غيبوبة احساسك,, وتعلن إفلاسك الروحي والمعنوي!
***
قال: سمني ما تشاء,, واسخر كما تريد! ولكن دعني أبادلك السؤال بسؤال.
كيف تحلم انت بغدٍ لا تدري ان كنت ستبلغه أم ستسبقه الى النهاية المكتوبة لكل البشر؟!
كيف تأسى على أمس رحل وسلمك مفاتيح ريح لا تلقف منها شيئا؟!
كيف تفرح بغد لا تعلم له سرا ولا موعدا؟! واذا كان أمسُك مثلي ضياعا وغدك مثلي، غموضا، فهل يستحق يومك الراهن ومضة عين ,, او رعشة قلب أو انتفاضة وجدان؟!
أنت يا سيدي طيّب القلب في زمن فقد أهله طهر القلوب ومثاليتها.
أنت يا سيدي في عصر تسيّر أهله المصالح وتكيف التعاملَ بين أفراده فوضى الحواسّ وشهوة الماديات!! أما الأخلاق,, ومشتقاتها من المثاليات فقد غدت كالأطباق الطائرة نسمع بها,, ولا نراها!!
***
قلت: حديثك هذا,, يزيدني يقينا بأنك مسرف في تشاؤمك ,, متطرف في يأسك,, مبالغ في الاحتكام الى منظومة الألم في حياتك!!
ولو كان التشاؤم رجلا,, لولى منك فرارا وتشاؤما.
قال: ازدد تفاؤلا كما تريد,, ودعني وشأني! ثم لا تنس انك كنت البادىء بالسؤال!
قلت: لستُ مسرفاً في تفاؤلي ,, ولا متطرفاً في حسن ظني,, ولا أسيراً لأطروحة الفرح! ولستُ مثلك احادي الرؤية والرأي ,, فلا أرى من الحياة سوى الجزء المظلل بالألم!
لكنني,, أعشق الوسطية في أمور العقل والنفس وتكاليف الحياة! الله خلقني لأعبده لا اشرك به شيئاً، والله امرني، على لسان رسوله المصطفى، ان أعمل لحياتي كأنني اعيش أبداً,, وأعمل لآخرتي,, كأنني أموت غداً، والحياة,, يا صديق اليأس,, درب محفوف بالألم,, وبالحب,, وبالفرح,, وهي حبلى بفرص الابداع لمن أُوتي وسيلته رغم غموض نهايتها ,, ورغم اشواك التحدي التي تدمي الأيدي والأقدام.
قال: أفبهذا تستقبل يا صديق الفرح,, ألفيتك الجديدة؟!
قلت: نعم,, وسأعيش بإذن الله خلالها ما قدر لي من أيام وليال,, اعبد الله وأرقب قدوم الغد الجديد بفرح وتفاؤل وعزم على فعل كل عمل صالح ينفعني دينا ودنيا,, وسأعيد الكرة يوما بعد يوم حتى يقبض الله أمانته!
قال: وهو يودعني بابتسامة صفراء كشمس الشتاء! كم أتمنى لو استنسختُ من فؤادك فؤاداً، ومن عقلك عقلاً,, فلا أرى من الشمس سوى جبينها المضيء ولا أرى من القمر سوى ابتسامة العشاق تكسو هامته.
***
وهنا,, سحبت يدي من قبضته وأنا ألمح في عينيه مشروع دمعة.
عبدالرحمن بن محمد السدحان