(السلام ثمنه مؤلمٌ جداً),, هذا ما قاله باراك يوم امس لإذاعة تل أبيب.
معرفة أن السلام ثمنه مؤلم,, ومضة في عتمة الأفق تومىء ببصيص أمل!
نعم,, أعباء السلام مثل أعباء الحرب,, تدمي الكواهل ,, وتحني الظهور، وتفضي إلى الخيارات الصعبة,, خصوصاً لأولئك المبادرين بالعدوان,, الطامعين في ثروات الغير، المتكيسين في أوهام التوسع والتمدد دونما سند أو حق.
السلام ثمنه مؤلم، لأن بالون (إسرائيل الكبرى) لابدَّ أن ينفجر، والسلام ثمنه مؤلم، لأن منطق القوة الغاشمة لابدَّ ان ينزوي، والسلام ثمنه مؤلم، لأن الاقرار بحق الآخرين في أرضهم وثرواتهم لابدَّ أن يتمّ.
بون شاسع بين لغة اليوم ولغة الأمس في اسرائيل، لغة اليوم تتحدث عن عودة للجولان، لكن بسياجات عالية من الشروط، ولغة اليوم تتحدث عن إقرار بحتمية تقديم تنازلات ولكن بمحافظة على خطوط رجعة عند الضرورة.
لماذا أصلاً كان كل هذا؟
العقلية الاسرائيلية التي تتباهى بقدرتها على التفوق ، وبتميّزها في استقراء الأحداث، وبدهائها في صنع الأمر الواقع ,, تجد نفسها اليوم للسخرية مجبرة على الاعتراف بأن كل ما حدث كان خطأً.
نعم,, كل ما يجري الآن هو من قبيل المناورات الكلامية، لكن فيه دون شك تلميحات متوارية وخجولة بأن مكتسبات الحرب لم تلد سوى الوبال، وأن منطق القوة لم يوفر أبداً خيار الأمن، وأن السعي لإخضاع الآخرين وقهرهم لن يؤتي ثماره أبداً أبداً أبداً.
الآن اسرائيل تجد نفسها مجبرة للإذعان قسراً لمنطق السلام,, تحاول وتسعى للبحث عنه وتدرك ثمنه الفادح رغم أنه كان بالأمس على قارعة الطريق.
حروب كبرى اندلعت، وأموال ضخمة أهدرت، وأرواح كثيرة أبيدت، والسبب هو حلم جائر,, بل وَهمٌ سيطر على جهابذة الصلف الاسرائيلي بأن من الممكن إلغاء الآخرين من خارطة الوجود.
باراك أقرَّ بأن السلام ثمنه مؤلم,, إذاً هو يعرف هذا الثمن، وإن لم يكن الأمر مسعى للالتفافات كما الدأب الاسرائيلي فبصيص أمل بالانفراج تلوح آفاقه رغم سماكة الضباب!.
اليوم تستأنف المفاوضات السورية الاسرائيلية لاستكشاف دروب السلام، وتجيء سوريا بلغة واضحة ومنطق جليٍّ يطالب بحقها في أرضها، كما تجيء اسرائيل وهي تقرُّ بحياء بأن للآخرين حقوقاً، وتسعى بكل ما تستطيع للانتقاص من تلك الحقوق.
منطق السلام الذي ينادي به العرب هو الأقوى، ومنطق الحق هو الأعلى ,, والثمن حتماً سيكون مؤلماً,, لأولئك الذين أخطؤوا في كل الحسابات.
الجزيرة