Monday 3rd January, 2000 G No. 9958جريدة الجزيرة الأثنين 26 ,رمضان 1420 العدد 9958



دقات الثواني
د, عائض الردادي
أبو الحسن الندوي

في صباح يوم الجمعة 24/9/1420ه اغتسل الشيخ أبو الحسن الندوي ثم خرج لطلابه وطلب منهم قراءة سورة الكهف وما إن أتموها حتى فاضت روحه إلى بارئها، كانت هذه خاتمة العلامة أبي الحسن الندوي (1332 1420ه) ذلك الطود الشامخ الذي خرج من أعماق شبه القارة الهندية يملأ الدنيا علما وتربية وجهاداً ودعوة، ويحشد روح الإسلام في علمه وعمله وحياته.
أول ما قرأت له كتابه العظيم ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ وأكاد أحوّر العنوان اليوم إلى ماذا خسر العالم بموت أبي الحسن الندوي لقد جلّى في كتابه رؤية دقيقة لعطاء الحضارة الإسلامية موازنا بإفلاس الحضارات المادية قديماً وحديثاً، ولكن العالم اليوم يخسر بموته عالماً ومفكراً بذل حياته في سبيل إرساء مدرسة تربوية إسلامية، فكتب في ذلك مؤصلا باللغات التي أجادها (العربية والأوردية والفارسية والإنجليزية) وطبق التربية الإسلامية في حياته عملياً مع طلابه، وفي حياته الخاصة, فكان نموذجاً للداعية المسلم الذي ينسى ذاته في سبيل دعوته.
أول مرة رأيت أبا الحسن في الرياض عندما حملته في سيارتي قبل أكثر من عشرين عاماً من الفندق الذي سكنه إلى مقر ندوة الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي رحمهما الله، ولم أتصوّر أن هذا العالم الذي ملأت سمعته العالم بذلك التواضع في الملبس والتعامل مع الآخرين، وحينما تحدث في الندوة انطلق لسانه بالبيان العربي بأسلوبه العربي الذي بزّ فيه كثيراً من أدباء اللغة العربية وهو ذلك الهندي الذي ولد في وسط الهند، وإن كانت أرومته عربية، ولا غرو في ذلك وهو الذي أحب اللغة العربية وعشقها لأنها لغة القرآن وكان لا يحاضر إلا بها ما لم يعدم من يفهمها، حدثني من أثق به أنه شهد له محاضرة في أمريكا ألقاها باللغة العربية وقال: هذه أم اللغات ولن أتحدث بالانجليزية لتروا معجزة اللغة العربية في هذا المتحدث أمامكم كيف أجادها وقد ولد وعاش في الهند، وهي أحب اللغات إليه، ولكنه تحدث للنساء الهنديات بالأوردية، لأنه أراد أن يدعوهن بما يصل إلى قلوبهن.
لقد ترك أبو الحسن أكثر من (700) مؤلف ومترجم إلى مختلف اللغات منها (177) عنوانا باللغة العربية، ولكن الأهم من ذلك أنه ترك مدرسة فكرية إسلامية تميزت بنهجه الدعوي الذي اتسم بالمنهج القرآني في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فلم يلجأ رحمه الله إلى العنف في حياته ولم يحمِّس الشباب على التشدد، ولم يتخذ موقفاً ضد حكومة من الحكومات، بل كان حصيفاً في دعوته يتلمس مشكلات عصره برؤية إسلامية صحيحة، ويضع لها الحلول المناسبة دون أن يصطدم بالآخرين حتى في جهاده للاستعمار في الهند، وكان يسافر إلى كل مكان تكون فيه مشكلة صعبة تواجه الإسلام فيقابل الحكام، ويسعى بالتي أحسن، ولم يثنه عن ذلك مرض ولا شيخوخة، وكان يلقى من الحكام كل احترام لما تميز به من حكمة ودراية في حل المشكلات، ومن هنا أكرر ماذا خسر العالم بموت أبي الحسن.
أما في المؤسسات العلمية فقد أنشأ منها الكثير، وأسهم بجهده ووقته في الكثير، من أبرزها المجمع العلمي الإسلامي في الهند والمؤتمر العام للهند للمحافظة على قانون الأحوال الشخصية للمسلمين وهيئة التعليم الديني في الهند واختير عضواً في عدد من المؤسسات كالمجمع العلمي بدمشق والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، والمجلس الاستشاري للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وغيرها، وفاز بجوائز عالمية، كجائزة الملك فيصل عن خدمة الإسلام عام 1400ه وجائزة الشخصية الإسلامية في دبي عام 1998م.
على أن مما ينبغي أن يذكر من حسناته هو توجيه الأنظار إلى الاهتمام بأدب الصنعة والتكلف ونسيان أدب الطبع والفن الذي لا يقصد إلى تكسب أو تكلف، فألّف كتابه مختارات من أدب العرب وخلاصة دعوته عدم التقليل من القيمة اللغوية والفنية للأدب الموروث، ولكنه يعتقد أنها ليست الأدب كله، فهناك في جوف المكتبة العربية نماذج دلّت على تذوق جمال اللغة، وعبرت بصدق عن مكنون النفس البشرية، وكان من ذلك دعوته للأدب الإسلامي بكل اللغات التي نتج عنها الرابطة العالمية للأدب الإسلامي التي أنشاها ورأسها وكانت ثمرة من ثمار حياته.
بقي أن نذكر له زهده في المال، وبذل ما حصل عليه منه من جوائز وغيرها في الدعوة الإسلامية، وقد شُدِه كل من زار بيته في الهند بتواضعه، فهو لا يزيد على أن يكون واحداً من منازل فقراء الهند، ولو أراد البذخ لنام على وسادة من ذهب، هذه لمحات من حياة أبي الحسن الندوي الذي خسره العالم الإسلامي جسداً، ولكنه بقي علماً وفكراً ودعوة وأدباً وجهاداً.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.