تحدثت في المقال السابق عن بعض المشكلات التي تواجه المسنين في المجتمع الخليجي كما جاءت في دراسة بعنوان (مجتمع لكل الأعمار وقضايا المسنين في مجتمعات مجلس التعاون الخليجي), ونستكمل الحديث عن بعض هذه المشكلات من واقع هذه الدراسة, ففي دراسة بعنوان الخصائص والملامح العامة للمسنات: دراسة ميدانية للحالات تحت الرعاية بمستشفى الرميلة بالدوحة وهي من الدراسات المبكرة التي سعت لتقديم صورة تفصيلية عن المسنات بالمجتمع القطري عام 1988م كان من أهم النتائج التي خرجت بها الدراسة وبخاصة من واقع الزيارات المنتظمة للمسنات بالمستشفى الذي يقمن به وذلك من قبل الاهل والاقارب وان كانت هناك زيارات إلا ان الشكوى من عدم انتظامها من قبل المسنات وهذا يزيد من احساسهن بالاهمال والشعور بالنبذ وهن يرين ان الرعاية والمساعدة المقدمة لهن من المستشفى تعد من الأمور الصعبة نظرا لمرضهن وغالبا لا ترغب الاسرة في تحمل اعباء امراضهن بالرغم من ان الاطباء في العديد من الحالات يرون ان المحيط الاسري هو الانسب لهن, وفيما يتعلق برأي المسنات من فئة العمر 70 سنة إلى اقل من 80 سنة في الرعاية التي يقدمها المستشفى الذي يقمن به فإن بعض المسنات ممن يحظين برعاية اسرهن قد ابدين انتقادات للمستشفى وطالبن بأن يقيم المستشفى حفلات ترفيهية للمسنات وان تتحسن معاملة الممرضات للمسنات ويبدو ان الأسر في هذه الشريحة تفضل ان تبقى المسنات في المستشفى لعجزهن البدني والحركي والعقلي بالرغم من ان اطباء المستشفى يوصون في بعض الحالات بأن المحيط الاسري افضل لهن.
وفي دراسة ميدانية تم اعدادها لعام 1991م من قبل راشد أبا الخيل بعنوان (الشيخوخة ومراكز العناية بالمسنين في العالم,, نموذج مركز اجتماعي صحي للمسنين في المملكة العربية السعودية) وقد سعت الدراسة إلى تصميم نموذج مركز اجتماعي صحي يلبي احتياجات المسنين والمسنات بالمملكة العربية السعودية الذين تأثروا بالتحولات الاجتماعية الاقتصادية التي طرأت على مجتمعات مجلس التعاون الخليجي والتي ألقت بظلالها على فئة المسنين بهذه المجتمعات ومن بينها مجتمع المملكة, ومن أهم النتائج التي خرجت بها الدراسة والتي تؤكد ان العوامل المتمثلة في الهجرة واختلاف دور المرأة وتغير التركيب الاسري تؤثر على فئات المسنين بطرق عدة وبخاصة وانها قد تؤدي إلى الوحدة والاكتئاب ومع هذه الهجرة خضع العديد من المسنين لتحول اسلوب الحياة والابتعاد عن احتياجاتهم التي لا توفرها لهم البيئة الجديدة, وتشير الدراسة إلى ان التغيرات الاجتماعية الاقتصادية التي اصابت المجتمع السعودي قد غيرت من دور المرأة فقد اصبح من الضروري او من المرغوب فيه لعديد من النساء ان يذهبن الى المدرسة او العمل لكي يسهمن بدورهن في تنمية مجتمعهن, وبما أن رعاية المسنين تعد من مسؤوليات المرأة طبقا للعادات والتقاليد فمن المنطقي القول بأن العديد من المسنين في الوقت الحاضر قد يتلقون رعاية اقل من المعتاد, حيث لا يبقى بالمنزل إلا عدد قليل جدا من النساء ليعتنين بالمسن ولهذا ايضا يترك المسنون في معظم الحالات في البيت بمفردهم خلال ساعات النهار الامر الذي يصيبهم بالوحدة والاكتئاب بسبب تركهم بمفردهم في المنازل.
وفيما يتعلق بالخدمات التي تقدمها المراكز الصحية بالمملكة فقد أشار 5% من المسنين إلى انهم ليسوا راضين عن اسلوب قضاء وقت فراغهم إلا ان 78% منهم أبدوا رغبتهم في الحضور إلى تلك المراكز بالاضافة إلى تأكيد المسنين على ضرورة ان يتضمن اي مركز اجتماعي ينشأ للمسنين الانشطة الاجتماعية والصحية والدينية والترفيهية وبعض الانشطة الانتاجية والحرفية والانشطة الرياضية.
ولقد اوضحت دراسة ميدانية بعنوان دور طريقة تنظيم المجتمع في اشباع الاحتياجات الاجتماعية للمسنين وهي دراسة تطبيقية على المسنين بمدينة جدة بالمجتمع السعودي وان من اهم النتائج التي خرجت بها ان فئات المسنين المستفيدين من خدمات مؤسسات رعاية المسنين يشيرون إلى ان لديهم احتياجات اجتماعية يجب ان توفرها لهم هذه المؤسسات تتمثل في الاتصال بالاسرة والرغبة في تكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين والحاجة إلى وجود آخرين يفهمون ويستمعون للمسن, والحاجة إلى المشاركة في المناسبات المختلفة والحاجة إلى القيام بعمل نافع لشغل وقت الفراغ, وفيما يتعلق باحتياجاتهم الصحية فتشمل الحاجة إلى طول فترة العلاج المناسب والتشخيص السليم والاهتمام بالحالة الصحية للمسنين وتوفير نظارات طبية خاصة ويحتاج المسنون أيضا من الناحية النفسية إلى الشعور بالاهتمام وعدم الشعور بالوحدة والعزلة والشعور بالراحة النفسية والطمأنينة والشعور بالرضا عن النفس.
وفيما يتعلق بالاحتياجات الاقتصادية التي ينشدها المسنون من مؤسسات الدولة الحصول على بعض الموارد المادية الخاصة مثل المسكن والغذاء والملبس وزيادة الاعانة المخصصة لهم وزيادة الدخل الثابت الذي يحصلون عليه.
وتعكس هذه الاحتياجات مجموعة الصعوبات التي تواجه المسنين بالمجتمع السعودي والتي تحول بشكل مباشر أو غير مباشر دون اشباع او تلبية احتياجاتهم المتعددة المتنوعة,, من هذا المنطلق فإن الاهتمام بهذه الفئة واجب اجتماعي ومطلب ديني يجب الحرص عليه,, والله من وراء القصد.
* كلية التربية جامعة الملك سعود.