إذا كنت لا تفرط ببساطة بكل ورقة تسقط في يدك فأنت ولاشك أحد الأوفياء المخلصين,, تلك حقيقة يعرفها الكثيرون وخاصة علماء النفس,, لكنك بالمقابل تدفع ثمن هذا الاخلاص والوفاء غالباً، ويتمثل ذلك في أكوام الأوراق التي تتراكم لديك يوماً بعد الآخر وعاماً بعد عام,, يحدث هذا للكثير من الناس وخاصة للإنسان الكاتب الذي تفرض عليه مهنته الأساسية التعامل مع الورق ما بين مقالات وقصص وروايات يكتبها وما بين رسائل هامة تأتيه فيحتفظ بها سواء من جهات رسمية أو من معارف أو أصدقاء وما إلى ذلك,, وعلى الرغم من محاولاته المستمرة تصفيتها وترتيبها وتبويبها إلا أنها تتراكم دائما وتشكل له قلقا وارهاقا,, وربما يجد نفسه دائم البحث عن أوراق تضيع وسط هذا الخضم الهائل من الأوراق,, فتلك أوراق رسمية تخصه,, وهذه فواتير هاتف وكهرباء ونفقات أخرى (إذا كان هو المسؤول الأول عن منزله),, وتلك أوراق تخص البنك,, وتلك قصاصات من مجلات وصحف أعجبه ما طرح خلالها من أفكار، ولذا فقد اقتطعها واحتفظ بها,, وتلك مسودات لبعض الأفكار التي فاجأته وهو بعيد عن مكتبه ولم تكتمل عناصرها بعد لتصبح مقالة كاملة,, وتلك صور جميلة نالت اعجابه فاحتفظ بها,, وتلك مقالاته التي لم يضعها بعد في الملف,, وهذه لقاءات سبق اجراؤها معه,, وتلك قصاصات لمقالات آخرين أحب الاحتفاظ بها وهلم جرا,,!.
يقولون بأن جهاز الكمبيوتر سوف يحل ذلك كله وسوف تستغني عن الأوراف من خلال تخزين كل ما لديك على أقراص الكترونية لا تحتاج إلى مساحة كبيرة كالأوراق والملفات وإنما إلى جزء صغير جدا من مكتبتك.
ليس هذا وحسب بل سيتم الاستغناء في القريب العاجل عن الكتاب القديم بشكله الورقي التقليدي ليصبح محفوظا في أقراص الكترونية تقرؤها متى شئت,, وتحتفظ بها إلى ما شاء الله من الزمن دون أن يغيرها مرور الزمن,, قرأت ذلك في تحقيق صحفي في إحدى المجلات التي تهتم بالشؤون العلمية والثقافية,, والسؤال هنا: هل سيحقق هذا الاختراع المتعة ذاتها التي نجدها من تصفح الكتاب المصنوع من الورق؟,, وهل سيبقى لنا ذلك الإحساس الدافئ الجميل الذي تفجره في أعماقنا رفقة الكتب بشكلها القديم الذي لم نعرف سواه منذ تلك اللحظة الأولى التي عرفنا فيها طريق القراءة والكتابة؟!.
|