الحمد للّه يارّبنا أعَنتناَ على الصّيام، فأوزعنا اللّهم أن نقوم بواجب الشكر على نعمك وتوفية حق كرمك، وأفضل الصّلاة والسّلام على من يشفع لنا يوم الحساب، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على طريق الحق والصّواب.
ما أسرع مايطوى العمر، وما أعجل ماتقضى الأيّام واللّيالي، وهل الحياة كلّها إلا لحظاتٌ محدودةٌ، وأنفاسٌ معدودةٌ، تغمرُ النّاظرين إليها في ساعة إقبالها، فإذا أدبرت فإنّما هي حُلمٌ من الأحلام،وإنّما البقاء والدّوامُ لمن له البقاء والدّوام.
كلُّ شيء هالك إلاّ وجهه له الحكم وإليه تُرجعون ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام شهر رمضان: اين هو شهر رمضان؟ ألم يكن منذ لحظات بين أيدينا: ألم يكن ملء أسماعنا وأبصارنا؟ ألم يكن هو حديث منابرناوبضاعة أسواقنا، ومادة موائدنا، وسمر أنديتنا، وحياة مساجدنا؟ فأين هو الآن؟ لقد كان يوم إقباله يوماً تفتّحت له عيونُنا وقلوبنا،فاستقبلناه بملء النّفس غبطةً واستبشاراً وأملا.
استبشرنا بساعة صلحنا مع ربّنا بعد طول إعراضنا، وكم تمنّينا أن نكون أوفياء بحقه وكم أمُلنا ان نكون أقوياء على برّه، أمّا اليوم فإنّنا نُودّعه وملء النّفس وجلٌ وخجلٌ وإشفاق وقلق, لاندري إلى أيّ مدى كان وفاؤنا بواجب العمل، وإلى أيّ مدى كان تحقيقنا لفسيح الأمل, أيّها الإخوة الصائمون القائمون, فلنجلس قليلاً نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، هل نسينا أن الميزان دقيق، وأن النّاقد بصير،فماذا يكون جوابنا لوقيل لنا: لقد كنتم في صيامكم لاغين رافثين، وكنتم في قيامم ساهين لاهين, هل أدلكم علىطهرة تُنقُّون بها أعمالكم من أدرانها ، وتُخلَّصونها من شوائبها : اغتنموا هذه اللحظات الباقية أمامكم، فاغسلوا قلوبكم الآن بدموع الاستغفار وارفعوا أكف الضراعة إلى الودود الغفّار, قولوا: ربّنا إنّنا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربّنا فاغفر لنا ذنوبناوكفّر عنّا سيّئاتنا وتوفّنا مع الأبرار، ربّنا وآتنا ما وعدّتنا على رسلك ولاتُخزنا يوم القيامة إنك لاتخلف الميعاد.
تقبّل الله منّا ومنكم صالح الأعمال، ورزقنا وإيّاكم الصدق والإخلاص في كلّ حال.
ربّنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهّاب.