أهل القرآن: هم أهل الجنة وهم أهل الله وخاصته الذين يتلونه حق تلاوته والذين يقيمون حدوده ويحلون حلاله ويحرمون حرامه، يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه والذين يتخلقون بأخلاقه وآدابه, إذا قرأوا القرآن ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، وإذا قرأوا القرآن اقشعرت جلودهم وشعورهم وارتعدت فرائصهم.
يقرأون القرآن آناء الليل وأطراف النهار تعرفهم بسيماهم من أثر السجود أولئك أهل الله وخاصته فإذا جاء شهر رمضان وهو سيد الشهور وشهر القرآن والاحسان ومضاعفة الحسنات وموسم الخيرات وشهر البركات رأيت أهل القرآن في حال غير التي كانوا عليها قبل رمضان تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وتجدهم تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً وتفيض أعينهم من الدمع، يتسابقون إلى ختم القرآن وصلاة القيام وهي التراويح وكثرة الاستغفار والدعاء بالأسحار وعند الافطار ويبتعدون عن الصخب والرفث ويتسابقون في الخيرات والطاعات ومواساة الفقراء والمساكين والأرحام ولا غرو في ذلك فقدوتهم سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان وكان عليه الصلاة والسلام اذا دخل الشهر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره وهي كناية عن اعتكافه واجتهاده للعبادة في رمضان ومدارسه جبريل عليه السلام له القرآن.
ومن المعلوم ان القرآن نزل في شهر رمضان لقوله سبحانه: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ولذا فقد روي عن السلف الصالح رضوان الله عليهم العجب العجاب فيما يتعلق بتلاوة القرآن وحفظه وتدبره بل روي انه ينقطع الكثير منهم عن الدرس للتفرغ للكتاب العزيز، وأذكر انه دار حديث في أحد المجالس التي ضمت بعضاً من أهل العلم والفضل حول ما ذكر عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله انه كان يختم القرآن في الشهر الكريم ستين مرة أي مرة في الليل ومرة في النهار، وقد استبعد البعض ذلك وأظهر دهشته واستغرابه وليس هنا محل استغراب إذ ان معدل قراءة الجزء الواحد هو عشرون دقيقة للقراءة العادية فيكون ختمه في حدود عشر ساعات، فما بالك ممن هو ماهر بالقرآن حافظ له لا يحتاج الى مصحف ولا غيره,, وهذا أمر ظاهر أقرأ ان شئت آية الكرسي مثلاً وانت حافظ لها بجانب آخر لم يحفظها وأخذ يقرأها من المصحف، واكد هذا الأمر أحد الفضلاء قائلاً: اني لأعرف شخصاً كان يقرأ في يوم الجمعة اربعين جزءاً حيث يلزم المسجد من بعد صلاة الصبح ولا يخرج من المسجد الى بعد صلاة العصر بعد أن ختم القرآن وزاد عليه عشرة أجزاء.
ومن الجدير ذكره ان مكفوفي البصر وأكثرهم يحفظون كتاب الله عز وجل عن ظهر قلب يجدون لذة لقراءته وسرعة في تلاوته فلا يحتاجون الى اضاءة أو استعدادات أخرى فترى أحدهم يقرأ وهو في فراشه أجزاء عظيمة وترى الآخر لا ينفصل عن القراءة للقرآن في كل حال حين الذهاب الى السوق أو الذهاب إلى المسجد أو غير ذلك في حين يعجز الآخرون عن مثل هذا.
اذكر بهذه المناسبة شيخنا الفاضل القاضي صالح بن عبدالعزيز بن هليل حين كان قاضياً للحوطة حيث لازمته ثلاث سنوات قرأت عليه بعض الكتب وأخذت منه الكثير وهو مقل في ذلك أذكر انه كان يؤقت الطريق والمسافات البعيدة بقراءة القرآن,, وذات مرة اخذته لزيارة عائلته في الدلم وهو في غالب احواله ملتزم الصمت والذكر والقراءة ويكره من يقاطعه إلا قليلاً وعند الحاجة، فركب إلى جانبي ذات يوم وبعد ما يقرب من ثلثي المسافة سألني: عبدالرحمن كم بقي على الوصول فقلت وصلنا الآن ولكن كيف عرفت يا شيخ قال أؤقت ذلك بقراءة القرآن وقد قرأت الآن جزءين فعرفت اننا وصلنا.
وأما الحادثة الأخرى فملخصها ان أحد طلبة العلم دخل المسجد وهو إمام له فأقيمت الصلاة حين دخوله وقد كان يقرأ قبل الدخول في الصلاة شيئاً من كتاب الله ثم كبر تكبيرة الاحرام وذهنه معلق بما وقف عليه قبل الصلاة فأكمل قراءته ونسي الفاتحة وهي الركن الأعظم بعد تكبيرة الاحرام حيث تبطل الركعة بتركها عمداً أو سهواً وخصوصا بحق الإمام والمنفرد وكانت الصلاة سرية فصلى بهم أربعاً ثم قام الى الخامسة فسبحوا حينها فلم يستجب لهم بل اشار إليهم ان اتبعوا ففعلوا فلما سلم تساءلوا عما حصل فقص عليهم الأمر.
فلله در أولئك الذين عاشوا في مناجاتهم لله ومناجاة الله لهم فاعتبروا يا أولي الأبصار.
* كوالا لمبور ماليزيا