عزيزتي الجزيرة,.
لا احد ينكر التطور المذهل الذي حدث للتعليم في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد المغفور له (بإذن الله) الملك عبدالعزيز آل سعود الى وقتنا الراهن.
فعند مقارنة الحاضر بالماضي نجد ان اعجازا قد حدث خلال العهد السعودي الراهن في كافة المجالات الاساسية والحيوية وفي مجال التعليم بشكل اكبر وخاصة من حيث الانتشار,, الا انه وعلى الرغم من الانفاق السخي من قبل حكومة المملكة العربية السعودية (مايقارب 20% من ميزانية الدولة حاليا ينفق على التعليم)، فإن التعليم في المملكة وبعد ان حقق الاهداف الاولية المنشودة والتي من ابرزها الانتشار ووصوله الى كل فرد، ومكافحة الامية بأنواعها نجد اننا بحاجة الى اعادة النظر في بعض جوانب النظام التعليمي وذلك من حيث التحديث وكما هو معروف فإن النظام هو المرتكز الذي يقوم عليه التعليم واي خلل او قصور في هذا النظام سيؤثر على القطاع التعليمي ومحاوره الاساسية وما ينتج عن ذلك من مخرجات مرتبطة بالمجتمع بشكل عام ومباشر، والجهاز المسؤول عن قطاع التعليم في المملكة لم يدخر وسعا لمحاولة الرقي بهذا القطاع الى اعلى المستويات وقد يكون ذلك واضحا للعيان من خلال التطوير والتغيير المستمر في أدوات وأساليب وطرائق التعليم (مثل تطوير المناهج وتحديثها، وتطوير المعلم,, الخ).
إلا انه من الواضح ان المحك الاساسي لم يتم التطرق له بشكل كبير ومتوافق مع التغيرات المختلفة التي تحدث في البيئة المحيطة بشكل عام فالانظمة التي تحكم سير العمل في القطاع التعليمي لا تزال قاصرة في انواع معينة (خذ مثلا ما يتعلق بحماية الممتلكات العامة والخاصة، حماية المعلم، تهيئة البيئة المحيطة بالعمل، تطوير المبنى المدرسي وتعميمه، صيانة المباني المدرسية القديمة او استبدالها،,, الخ) وفي المقابل نجد ان هناك نوعا من المبالغة او التركيز فيما يتعلق بالطالب من جوانب عدة (الاختبارات والتقويم، المناهج، العقوبة، و,,,) لدرجة ان ذلك ادى لحدوث نتائج عكسية سواء على المستوى الفردي او على مستوى المجتمع بأكمله (على سبيل المثال، انخفاض مستويات التحصيل العلمي، ظهور السلوكيات المشينة، عدم تحمل المسؤولية والتهرب منها، من قبل الطالب (المتخرج، الدارس) عدم الجدية في العمل والاداء، ,,, الخ).
لذلك نشاهد ونسمع ونقرأ عن ظواهر واحداث لم يسبق لها مثيل بل انها غير معقولة مثل العدوان على المعلم وممتلكاته وعلى ادارة المدرسة، والاستهتار واللامبالاة بأمور عدة في مقدمتها مستقبل الطالب نفسه والممتلكات العامة والعبث بها،,, الخ).
ولو ان هناك نظاما صارما يحمي كل الاطراف ذات العلاقة بالعملية التعليمية دونما تحيز او مبالغة او عواطف لطرف على حساب آخر لما وجدت مثل هذه السلوكيات التي بدأت تظهر بشكل تدريجي وهذا امر محرج للغاية، واقصد بالنظام وضع (سنّ) لوائح وقوانين (او تطويرها في حالة وجودها) تحكم سير العمل بشكل دقيق ومتوازن وعندما تكون هذه الانظمة او السياسات والعقوبات معلنة مسبقا ومعلومة من قبل كل الاطراف ذوي العلاقة بالعملية التعليمية فإن كل فرد يعمل وهو على علم بالثواب او العقاب الذي سيناله (خاصة في المراحل المتقدمة من التعليم العام، المتوسط والثانوي), ان وجود نظام شامل ودقيق وموضعي وتطبيقه سيعود بالنفع الكبير على كل الاطراف بل وعلى المجتمع ككل.
* ان نظرة الطالب الى المدرسة لم تتغير عن السابق,, انها لا تزال نظرة عقيمة، حيث ان الطالب يذهب الى المدرسة وهو مكره ولو ترك على رغبته وهواه لما وجد في المدارس الا قلة وخاصة المدارس الثانوية، ولو استطاع ان يحصل على الشهادة دون جهد او عناء من اول يوم لما تردد في استلامها والذهاب بها الى اقرب مكتب للتوظيف، اننا ونحن نعيش في زمن وصل الى القمة تقريبا في كافة مجالاته الحيوية ومع علمنا ان التعليم هو السبيل الى العمل الجاد والمنتج الا اننا لا نزال نتجاهل هذه الحقائق ولا نوليها ادنى اهتمام، والنقطة الاخرى التي لا تزال تردد كثيرا حتى من جانب التربويين انفسهم، والتي تحيل او ترد الممارسات والسلوكيات الخاطئة والمشينة التي تصدر من الطلبة الى الفترة العمرية التي يمر بها الطالب (المراهقة) والتي يبدو انها تلازم الانسان كثيرا في وقتنا الحاضر، حيث ان اي خطأ يصدر من طلاب هذه الفئة العمرية التي تمتد من نهاية المرحلة الابتدائية الى المرحلة الجامعية بل قد تتجاوزها الى اطول من ذلك يبرر بسن المراهقة ومشاكله وافرازاته السيكولوجية والبايلوجية، في حين لو حقق نفس الشخص او شخص آخر من نفس الفئة العمرية نجاحا ما او ابداعا في امر ما، في ذلك الحين تنسى هذه الفئة العمرية وافرازاتها الضارة نوعا ما بالنسبة للفرد ويعامل على انه رجل ناضج,, صحيح ان هذه المرحلة العمرية التي يمر بها الانسان (ذكرا او انثى) لها انعاكاسات عديدة على الشخصية والسلوك وغيرها الا انه لا يجب الافراط في العملية ورد كل شيء اليها واعتبارها الشماعة الوحيدة التي تعلق عليها كل التصرفات والسلوكيات السلبية، ان هناك امورا جوهرية في هذا المجال لكننا لا نعترف بها او نتجاهلها لاسباب ما لعل منها القصور في التنشئة والتربية المنزلية واثناء الدراسة والمتابعة الاسرية الهادفة، وكذلك الحرية الكبيرة والثقة الزائدة التي يحظى بها الابن او الابنة في مثل هذا السن ودون متابعة او اكتراث، الرفقة والاصدقاء، توفر وسائل الاعلام المختلفة والحصول عليها واستخدامها دون تحفظ, والآن ومع تقدم العلم بكافة فروعه وتخصصاته وما يقدمه من خدمات عديدة للاخصائيين الاجتماعيين والباحثين والاطباء والتربويين في سبيل البحث عن انسب الطرق والاساليب للتعامل مع هذه النوعية، يفترض ان نكون قد وصلنا الى حلول وقناعات اكثر، وما اود الوصول اليه هو انه يمكن تطويع افراد هذه الفئة العمرية لكي يكونوا قدر الامكان منضبطين في السلوك والشخصية والتعامل والاداء وما يتعلق بكل جوانب حياته، من خلال التوجيه والتوعية المستمرة بأهمية الفرد ودوره في المجتمع وخاصة هذه الفئة وما يمكن ان يقدموه لاسرهم ولمجتمعهم من خدمات وتعاون ومشاركة فعالة في البرامج التنموية في المنزل والمدرسة والشارع، وكذلك توعيتهم بالاضرار والعقوبات والسلبيات التي يمكن ان تحدث لهم من جراء التمادي في ممارسة الاخطاء والحياة الفوضوية العشوائية وللامبالاة وعدم ضبط النفس وتحقيق رغباتهم واهوائها من ناحية، وفتح المجال لهم بشكل اكبر في الاندية الثقافية والرياضية والادبية وتعريفهم بها وبأماكن تواجدها وبأهدافها، وتخفيض الرسوم الى ادنى حد ممكن من اجل استيعاب اكبر عدد ممكن.
والسؤال الآن: هل هذه المرحلة العمرية لا تنطبق الا على التصرفات الخاطئة والسلوكيات السلبية التي تصدر من الانسان أي بمعنى آخر، هل من المعقول ان هذه المرحلة العمرية لا ينتج عنها الا اداء وسلوك خطأ بشكل عام,؟ الاجابة طبعا بالنفي,, والمنطق والواقع يثبت ذلك,, اذاً هذا يعني ان هناك اسبابا اخرى جوهرية تؤدي الى الانحراف والتصرف الخاطئ والسلوك الاهوج، وقد سبق ان استعرضنا معظمها.
يجب ان يكون هناك نوع من التوازن في حالة التطوير بين كل المحاور او الاركان.
والذي يحدث الآن هو تطوير في بعض المحاور ولعل الذي ينال نصيب الاسد هو الطالب (لا ننكر ان الطالب هو الهدف النهائي للعملية التربوية التعليمية ولكن المبالغة في امر ما غالبا ما تؤدي الى نتائج غير مرغوب فيها), ان هناك امورا اهملت (المبنى المدرسي، البيئة الخارجية المحيطة بالطالب، المعلم واحتياجاته المختلفة غير المادية) وهي في الحقيقة تساهم بشكل كبير في تطوير العملية التربوية التعليمية، ولعل من ابرزها البيئة الخارجية المحيطة بالطالب (الاسرة، الاصدقاء، الظروف والعوامل الاجتماعية والنفسية، والحالة المادية والوعي الثقافي والاجتماعي للاسرة، والمؤثرات الخارجية الاخرى مثل وسائل الاعلام بأنواعها المختلفة), اين الاعلام التربوي واين البرامج التربوية والتعليمية والتوعوية (برامج التوعية المختلفة) الهادفة والتي تلائم كافة الفئات من حيث العمر والجنس والدخل ودرجة الثقافة وخلافه، ان المعروض منها قليل, واين المباني المدرسية النموذجية التي تضم كل الاحتياجات الاخرى للطلاب (خاصة في المرحلتين المتوسطة والثانوية).
ان احتياجات طالب اليوم تختلف كثيرا عن احتياجات طالب الامس، فبالاضافة الى الاحتياجات التعليمية الاساسية فإن هنالك احتياجات ثانوية (مكملة)رياضية وثقافية واجتماعية ونفسية قلما تكون متوافرة بالشكل المطلوب اليوم, فتوفر المبنى المتكامل والملاعب المختلفة والانشطة المتعددة والتي تواكب ديناميكية عالم اليوم تعد عامل دفع للارتقاء بالعملية التعليمية الى اعلى المستويات, واين المدارس المتخصصة (الثانوية والكليات المتوسطة التي تمنح الدبلوم) والتي تؤهل الطالب للانخراط في الاعمال المهنية التي يحتاج اليها مجتمعنا كثيرا، ان الموجود حاليا لا يواكب الاعداد الهائلة التي ترغب الانخراط في مثل هذه الاعمال، ولا ترغب الاستمرارية في التعليم العالي لاي سبب كان، كما انه لا يواكب احتياجات المجتمع الاقتصادية او سوق العمل, والنقطة الاخرى والجديرة بالاهتمام من قبل المسؤولين عن التربية والتعليم والتي تفتقد لها منشآت التعليم (المدارس خاصة) هي عملية الخدمات الاساسية او تهيئة البيئة المحيطة بالعمل ان صح التعبير مثل توفير الاثاث وتجهيزه، توفير الآلات والاجهزة والادوات المكتبية وبرامج الحاسب الآلي بالكيفية والكمية المناسبة وصيانتها باستمرار، النظافة، التغذية المدرسية الملائمة لكافة منسوبي المنشأة التعليمية، و,, وو,,الخ,, هذه الخدمات الاساسية متروكة لادارات المنشآت التعليمية (ادارات المدارس مثلا) وبشكل ارتجالي يعتمد على ايرادات المقصف المدرسي وكذلك على تقديرات المدير ومدى سخائه ونظرته الى مثل هذه الامور, لماذا لا يشرك القطاع الخاص في تقديم مثل هذه الخدمات ويتولاها بشكل مركزي في المدن وعلى مستوى المراحل الدراسية او على مستوى المواقع الجغرافية,, وبمعنى ادق لماذا لا تطرح مثل هذه الخدمات للمناقصات الحكومية لتتولى شركات القطاع الخاص اعمال الصيانة وتأثيث المباني المدرسية والمنشآت التعليمية وتجهيزها بالأدوات والآلات المطلوبة، وكذلك الحال بالنسبة لاعمال النظافة والتغذية (المقاصف)، حيث تتولى كل شركة من الشركات الكبيرة (والتي لديها الامكانيات اللازمة التي تجعلها تنفذ العقود بشكل دقيق)، مرحلة معينة (الابتدائية على مستوى الرياض مثلا او المتوسطة او,,,) او منطقة جغرافية معينة وذلك حسب تخصصها (صيانة او نظافة او تغذية او اثاث او,,) ان ازاحة مثل هذه الاعباء عن كاهل ادارات المدارس والمنشآت التعليمية ستحقق نقلة كبيرة في قطاع التعليم وذلك من نواح عدة منها تفرغ الرؤساء والمدراء لوظائف الادارة من تخطيط وتنظيم وتوجيه واشراف ورقابة، ومنها ان هذه الخدمات تقدم عن طريق الشركات المتخصصة بجودة وكفاءة عالية، ومنها ارتفاع معدلات الاداء (الانتاج) لارتفاع الروح المعنوية لدى الافراد العاملين بالمنشأة ولتهيئة البيئة المحيطة بالعمل وتوفر المناخ الملائم (الاضاءة، التكييف، التأثيث، الآلات والاجهزة والادوات المكتبية، النظافة، الصيانة المستمرة، التغذية,, الخ) صحيح ان مثل هذا الامر يحتاج الى نفقات عالية ولكن تستطيع الوزارة (في حالة المركزية) او ادارات التعليم (في حالة اللامركزية وهو الافضل) الحصول على ايرادات المقاصف كاملة، بالاضافة الى ما تعتمده الوزارة من مبالغ من ميزانيتها السنوية لهذا الغرض والذي ستظهر ايجابياته على المديين المتوسط والطويل ان لم تظهر في المدى القصير.
وقد يقول قائل ان عدد المدارس كبير جدا ومناطق المملكة متباعدة الى حد ما (وهذا صحيح) لذلك تحتاج الى مبالغ مالية كبيرة وهذا بدوره قد يؤثر على العملية التعليمية في بعض جوانبها الاساسية، ومن الافضل ان يبقى الوضع على ما هو عليه الآن (وهذا ما يحتاج الى نقاش).
انظروا الى المؤسسات المالية مثلا وشركات القطاع الخاص بشكل عام والعملاقة بشكل خاص وبعض الاجهزة الحكومية والمؤسسات العامة التي تتولى الشركات المتخصصة والعملاقة التشغيل فيها في الخدمات المختلفة (الصيانة، التغذية، النظافة,, الخ) ثم قارنوا ذلك بما يقدم في قطاع التعليم وبالأخص في المدارس.
عبدالله محمد القرشي المالكي
وكيل ثانوية الملك عبدالعزيز بالرياض