الناقد محمد العباس من قال اننا نضع صخور بارت على صدور نصوصكم؟ |
الناقد محمد العباس: من قال اننا نضع صخور بارت على صدور نصوصكم إذا كان سليم بركات يطالب بعودة النقد فان هناك من مازال يصرخ أن ارفعوا عن صدور نصوصنا صخور بارت وبين المطلبين وجهات نظر متباينة بل متضاربة حول هذا الفعل الثقافي الذي يريده الناقد كمفكر خطاباً أول، له سمة وجاذبية وفاعلية الإبداع، فيما يصر بعض المبدعين على تمكيثه في مرتبة متأخرة كمتتبع لأثر النصوص، أي كخطاب ثان أو تعقيبي على الأصل الإبداعي, أما أسوأ ما يمكن أن تصاب به ساحة ثقافية فهو التهميش المتبادل، أي تغافل النقد عن الابداع تحت أي ذريعة وان كانت معرفية, وانتفاء حاجة الإبداع الى النقد، أو ادعاء ذلك، فهذا الفعل اللامسؤول أكبر موجب للعطالة الثقافية.
ولا شك ان العلاقة بين الفعاليتين النقدية والإبداعية قد مرت، وفي جميع المنظومات الثقافية، بمنعطفات تصالحية وأخرى استعدائية، وفق ظرفية أو مناخ ثقافي يساهم في منحى التسالم المؤدي الى التكامل الفني أو عكسه، محتمة في أغلب الأحيان بوعي الساحة بأهمية التفاعل، أو العلاقة الطردية بين النقد والإبداع، فالنقد كمستوى أعلى من التذوق يجهد لوضع النص على محك الضرورة التاريخية وعلى خلفية النظريات والمناهج المختلفة، كجدلية معنية بالأنساق، وليس بتقويم العمل في اللحظة، على اعتبار ان الجمال من منظور الانتاج أو التذوق النقدي هو محصلة وعي الانسان، ومستوى تطور الرؤية البشرية عبر التاريخ، وهو لهذا يتواءم مع نزق المبدع الذي يصعب ضبط معياريته الفنية، أو يتصادم مع متطلباته الآنية.
اما الطلاق الذي حدث في الساحة الثقافية فهو نتيجة طبيعية لعلاقة نفعية في أساسها، اذ استفاد بعض النقاد من النص الإبداعي، الحداثي على وجه الخصوص، والشعري تحديداً، لتأكيد حداثة أدواتهم، واختبار مناهجهم، فالنقاد كانوا بحاجة ماسة الى النص المتجاوز ليؤكدوا حضور تلك النزعة في منحاهم، لكنهم سرعان ما تركوا الابداع في العراء بعد أن تحققت أغراضهم، ربما لأن النص الابداعي بدوره تراجع بالنسبة لفئة من النقاد، ولم يعد محفزاً على قول شيء، وبالتالي صار السكوت عن النصوص موقفاً نقدياً، أو هذه هي حجة المنصرفين عن النص.
وربما لأن المبدع لم يكن على مستوى التفاعل مع ما يطرح نقدياً، فما أكثر ما نقرأ على لسان بعض المبدعين شكوى ونعي غياب النقد رغم وجوده وانهمامه بالمنجز المحلي، بل تحقير كل المحاولات التي يزعم بأنها لا تفيد الابداع بشيء، وهنا اشكالية غاية في الأهمية فالنقد بالنسبة لبعض مبدعينا ليس حاجة على الاطلاق، وهو ما يعكس مستوى الوعي ليس بالمهمة النقدية وحسب، بل بالعملية الابداعية، حيث يكون المطلوب من الناقد التخفف من الجرأة والصراحة والحفر العمودي في النص لئلا يطال الذات التي تقف خلف النص، وينال احياناً عداوة غير مبررة فهي متأتية من خارج عملية المثاقفة.
النقد مازال قائماً وموجوداً، وكذلك الإبداع، ولكن بمستويات قد لا تكون مقنعة من الجانبين، ولن يتم التفاعل بين هاتين الجزيرتين المنعزلتين كما يبدو ظاهرياً، إلا برفع مستوى الحاجة إلى النقد عند الطرفين بمعناه الحواري وليس التعاضدي أو الترويجي، وإلا إذا اجترح المبدع نصاً يتحدى النقد، لا بنية انتاج نص شديد التعقيد، انما كنص يستفز طاقة التذوق ممثلاً في النقد كأعلى صورة للتلقي، ليختبر منسوب ادراكه للعملية الابداعية، أي ذلك النص الذي يحرك في الناقد مخزونه النظري ومناهجه ويستحثه على تأوين النص في تعقيدات الشبكة الاجتماعية، فكثرة أسماء المبدعين لا تعني شيئاً، انما النص المتجاوز، الاشكالي، المثير للجدل هو المكان الذي يتعارك على أديمه الناقد والمبدع، ويختلفان بشأنه معرفياً وذوقياً، لا بمبررات شخصية من أجل اصلاح مزدوجة النص/ الحياة.
|
|
|