سرديات د,عبدالعزيز السبيل |
لقد مارس السرد تحويل النوايا، ولعله بشكل جزئي، حيث تفضل المسرحي المتميز الأستاذ محمد العثيم، بإضافة بعد سردي لم يكن ضمن الأنواع التي اشارت إليها سرديات السابقة، ذلك ان كاتب سرديات ليس على وعي كبير بهذا النوع من السرد, وإذا كانت الاشارة قد تمت إلى أنواع من السرد المقروء والمسموع، فإن العثيم يذكر سرديات بالسرد المرئي, والعثيم محق في هذا، فالمشاهد المرئية الصامتة هي في واقعها سرد اتخذ من الحركة وسيلة له بدلاً من الاعتماد على الكلمة, وحين يتحول الحكي من القول إلى الفعل فإن السرد هنا يدخل عالماً آخر يضاف إلى عوالمه السالفة.
إن ما يحدث من مشاهد تمثيلية صامتة على خشبة المسرح أو في بعض الأفلام، إنما هو سرد أو حكي لفعل ما، وتعبير عن رؤية معينة، ساهمت تقنيات الفن التمثيلي، مسرحاً أو غيره، في جعل الفعل يأتي بديلاً عن القول, فخرج السرد هنا من القول إلى الفعل.
وحين نعود للاستاذ العثيم فإننا سنتذكر معه مسرحيته الشهيرة تراجيع ، التي عرضت قبل سنوات داخل المملكة وخارجها, أذكرها هنا لانها تحوي العديد من المشاهد الصامتة التي تم توظيفها لتقوم مقام السرد القولي, فالمشهد الملحمي لعبور الصحراء من قبل الصبي وعازف الربابة وبطل المسرحية الجواب يمثل مشهداً سردياً صامتاً, بل قد جاء فعل سردي آخر يتوازى مع المشهد السابق ويتمثل في القافلة التي تسير, ويتفق المشهدان، في غياب القول منهما وبقاء الفعل فقط, فهنا سرد لعله أكثر بلاغة من ذلك السرد التقليدي، المتمثل في القول أو الحكي، وإذا كان هذا الأخير يعتمد على السمع لتخيل الأحداث الموصوفة من قبل الراوي، فهو تخيل قد يختلف من سامع لآخر، لكن حين يكون السرد أحداثاً مرئية، فإنه سوف يعتمد التجسيد، فتكون الرؤية البصرية قادرة على رؤية ابعاد مختلفة للحدث، ولو أريد التعبير عن نفس الحدث بالحكي فقط، بحيث يكون الاعتماد على السمع، فإنه دون ريب سيحتاج الى أصوات رواة متعددين من أجل ان يقترب من الحدث المرئي.
فالسرد المرئي ابلغ في التأثير من المسموع، بل والاقدر علىمنح صورة متكاملة للحدث المطلوب تصوره، خصوصاً حين يكون المشهد فعلاً صامتاً.
وحين نضيف مزيداً من المقارنات بين السرد قولاً وفعلاً فإن عدداً من المسائل سوف تبرز في هذا السياق, فإذا كان الحاكي الراوي هو العنصر الأساسي للسرد الحكائي بأنواعه المتعددة، بل إنه لا يتصور سرد بدونه، فإنه هذا العنصر الرئيسي يتلاشى تماماً حين يتحول السرد من القول إلى الفعل، حيث ينتقل دور السارد الراوي إلى الفعل نفسه الذي تجسده شخصية واحدة، وربما تشترك فيه عدة شخصيات.
وتجدر الاشارة إلى أنه قد يمتزج السردان القولي والفعلي فيكونان سرداً واحداً متداخلاً ونسيجاً متلازماً, ولا يتم اللجوء الى ذلك إلا حين لا يكون السرد الفعلي قادراً على التعبير عن نفسه، فتتم الاستعانة بالحكي على لسان الراوي، لتتعاضد حاسة السمع مع حاسة البصر, ويتحقق بذلك الهدف السردي الكبير.
وفي السرد الفعلي تغيب احياناً كافة الشخصيات الإنسانية، وذلك حين يكون المشهد للطبيعة، وما يقدره الخالق سبحانه من حوادث وافعال كونية, فمشاهد اقتلاع الريح للاشجار والخيام، واجتياح الأمطار لما يتعرض طريقها من مبان، وأمواج البحر وفعلها في السفن والشواطئ, كل هذه مشاهد قد تخلو من الشخصيات الانسانية، لكنها تظل مع ذلك فعلاً سردياً معبراً.
وإذا نحن استحضرنا تقنيات المسرح، فإن الحديث قد يطول ولا يجدر به ان يكون من شخص لا يعتبر نفسه على صلة وثيقة بهذا الفن السردي الذي يسمح بان يجمع عوالم سرد مختلفة في اطار فن واحد.
ولعلي أترك هذه الجزئية لمن حرض سرديات على الدخول في عالم السرد المسرحي، وأعني به المؤلف والناقد المسرحي محمد العثيم, لكن يمكنني الاشارة إلى تلك التقنيات الساردة والناطقة دون صوت.
فالديكور والاضاءة والألوان المختارة، والأثاث والملابس وغيرها عوامل تلعب دوراً مؤثراً في حركة السرد الفعلي مسرحياً أو سينمائياً.
ان عامل الزمن يلعب دوراً مهماً في العلاقة بين السرد قولاً وفعلاً, فالفعل بصفته سرداً يعتمد على الرؤية البصرية في تجسيد شخصية أو مشهد ما، هذه الثواني قد تحتاج من الراوي إلى زمن أطول ليجسد الشخصية أو المشهد من خلال الوصف القولي.
أخيراً، ما زالت سرديات عند وعدها للقارئ الكريم بتناول بعض الكتب التي اتخذت من السرد عنواناً لها.
|
|
|